ترسم الكتابة البعض من امتداداتها. فيصبح النص قائما على نوع من التراكب الدلالي هو الذي يجعل من الشعر حدث تفكيك للتاريخ وللواقع والنصوص. لا يعلن حدث التفكيك عن نفسه صريحا بل يتخذ لنفسه مسارب ملتوية مواربة. ويصبح بمثابة قانون عليه جريان الكتابة وعليه متصرفها أيضا. إن النص عبارة عن سيرة ذاتية . لكن السيرة تكف عن كونها سيرة فرد، كما اشرت وتصبح ضربا من الاستحضار لثقافة تمضي قدما إلى خرابها، وتأرخيا لارض كل ما فيها يتفسخ. لذلك تنعت صراحة بكونها «ارملة العصور/ ومستودع نفايات العالم». ثمة في النص تصريح بأن هذه الأرض مدائن صنعها النفط ليسرح فيها «السماسرة الذين اتوا من كل بلاد العالم لامتصاص ضرع الأرض وما خلفته عظام حيوانات بائدة» (جبال، ص61). انها أرض طفولتها أمعنت في الرحيل والنص يتكئ في بعض المواضع على طابعه السردي ويخلق نوعا من التوازي بين طفولة الراوي وطفولة المكان:
هكذا يستل النص من مكوناته البانية لجسده. ما به يبتني فكرة الافول الكوني الشامل. انه يستدعي المحلي (الصحراء/مدائن النفط ..) لكنه يفتحه من الداخل على الكوني المحجب فيه. ومن الذاتي ينفذ إلى البشري الشامل. فتنفتح السيرة الذاتية على محنة الكائن مطلقا. وتصبح الكتابة اطلالة على الرعب المحتمي من المكان بأقاصيه واصقاعه وكواه المعتمة. لذلك يصبح النص، بدوره بمثابة نشيد اسود يطفح قتامة ونياحة.
د. محمد لطفي اليوسفي
مجلة البحرين الثقافية