تقدم حصيلة الشاعر العماني سيف الرحبي تجربة فريدة في باب الرؤية الشعرية، تسمح للمرء بأن يصنفه في خانة شعراء الرؤى المتماسكة على المستوى العربي، وربما العالمي إلى حد ما. إنها حالة حادة جدا ومرعبة من حالات الاغتراب الروحي يمكن أن توصف بأنها موقف «نفي كوني شمولي» قائم على رفض التعامل مع أي مظهر من مظاهر الكون الذي يضم في جنباته الإنسان والمجتمع والطبيعة.
بل إن حالة شعر الرحبي تمضي إلى ابعد من ذلك، فتحول شعور الفرد الموهوب بالنفي عن الكون وتجلياته المختلفة إلى تأكيد أن هذا الكون باطل من أساسه، ولا تنفع فيه نظرة فلسفية أو إيديولوجية أو حتى لومة لائم منظمة أو عابرة. وليس القلق الذي يؤرق أشعار الرحبي محصورا في إشكالية الوجود الإنساني. أو حيرة الإنسان إزاء المصير المجهول أو فقدان قيم العدالة والتعاطف الإنساني والصداقة والهدفية في مجتمع البشر، أو الانقطاع البنيوي عن الناس وتشكلاتهم وارباكاتهم. وإنما المسألة أعمق وابعد غورا من ذلك: إنها شعور حاد جدا بانتفاء الوجود نفسه، أي لا بانتفاء معناه وقيمه، بل بانتفاء كنهه وكيانه، كأنما كل شيء زائف وعابر وهلامي وفي طريقه المحتوم نحو الدمار. إنها ليست نهاية التاريخ، بل هي نهاية الجغرافيا ونهاية نسمة الحياة ونهاية الكون.
د. حسام الخطيب*
مجلة عالم الفكر- الكويت