وفي هذه المجموعة بوجه خاص، تتمثل في أفادته الظاهرة من فن السرد وفي تحويله القصيدة إلى ما يشبه الحكاية أو القصة القصيرة. وهو ما يظهر جليا في قصيدته الطويلة «الجندي الذي رأى الطائر في نومه» حيث ينتظم الكتابة حيك قصصي متنامي المعالم وشبهة حكائية لا يقلل السرد من شاعريتها المتدفقة وتموجها الانسيابي، وكما يحلم جندي محمود درويش بالزنابق البيضاء والحياة الرافلة بالطمأنينة والبياض بعيدا من تذابح السلالات وكوابيس الحروب يتقمص سيف الرحبي صورة الجندي القادم من «جرح البشر السحيق» لكي يطير فوق الخرائط والحدود وبحيرات الدم. وهو حلم لا يطير إلا بجناحي الحب ولا ينعتق من كوابيسه إلا مصحوبا بصورة المرأة وتجوالها الأثيري في فضاء القلب والنص.
أن كل شعر حقيقي هو اكبر من شكله بالضرورة. ولأنه كذلك فان شعر سيف الرحبي لا يحول شكله إلى عائق ولا يذكر إلا بجوهر الكتابة. أن ما فيه من توتر ونبض واختلاج حار لا يدع لقارئه فرصة السؤال عن الإيقاعات الخارجية والأوزان المألوفة بل يدفعه دفعا للتخلي عن المسبقات وللطيران في فضاء المعنى وشعابه الكثيرة.
شوقي بزيع
جريدة الحياة- لندن