عالم مزدوج وهجين، تتآكله الريبة والخوف، غني بالعناصر الطبيعية والألوان والحالات البشرية المتراوحة بين التطرف والهدوء. بل ان كتابته لا تستكين، مغامرة في ادغال المجهول، في بواطن العقل الدفينة حيث تنبت الأشكال والمشاعر المتنافرة وأنماطنا الحياتية العادية، فالقصيدة هنا نشيد احتفالي طويل. إنها الاحتفالية بالإنسان الأعزل والإنسان الماضي قدما في حياة لا جدوى منها ولا حتى من تفاصيلها الجميلة، انه نشيد الألم والعزلة والموت والحرب والترحال الأبدي. مرثية الكائن المسكين الذي ينزل من أحشاء الكوابيس لتواكبه في مشواره البائس، في تيهه المحتوم، يدور حول محور لا يراه ولا يعرفه، ونقطة البداية متصلة بنقطة النهاية، كان الشاعر أمام جحيمية اللاخروج واللادخول. ولانه في جحيمية الوحدة، ولان الوحدة تجيز كلما لا يعقل وتكسر حواجز الداخل، نراه يفتح أسوار أعماقه لتنطلق منها الحالات والمشاعر متفجرة صاخبة متناثرة في اتجاهات اللغة الشتى. ساخط وشرس ولا وداعة طالما ان المعاني لم تكتمل. لا تنجز المعاني ولا تتخذ لها شكلا ان لم تنبثق من دائرة المرأة التي أضاعها الشاعر في احدى المدن، خلال ترحاله الكثير وأضحت في غيابها رمز المكان ورمز الزمن في مروره الأليم، أضحت مرآة المدينة ووجه الصحراء. والمرأة لدى الرحبي مصدر تفاعل المخيلة وما يحوطها اذ تتقد الصور الغريبة على صفحة الوجه الشاحب غيابا.
صباح زوين
جريدة النهار اللبنانية