نشمي مهنا
ذئب وحيد الوحشة، يتجول في وعورة جباله القاتمة يقترب من حواف خناجرها الصخرية، يهبط وديان عزلته. متسللا من خوفه، يمتلئ بذاته، فيحس بازدحامه وكثرته، سهول أخرى هناك.. يرتادها، لا يدع عشبة بكرا، خاملة في صقيعها والا وراودها عن حلمها:
كان يجري في حقول الظهيرة في يده الطائر
على جسده زرد المعدن الثقيل
باحثا عن مكان
عن سراب استراحة
في أفقه البعيد النائي، يظل يتجول، من جبل الى آخر أعلى، من بحر الى بحيرة منقبضة، من حقل الى رماد، لا تفرغ زوادة حلمه، ولا شهوته اللامعة.
إلا في ذلك المساء، حينما تدافعت في عينيه غمامات حمراء، أحس معها بالفقد، عاد الى سلة الأمكنة، يحصيها، فاكتشف النقص:
فجأة ضاق به الفضاء
ضاقت به أحلامه
سقط في بركة الدم
عوى كذئب
لكن لم تكن له روح ذئب
وجد الوهم محيطا به من كل ريح، ومسمرا ظل وسط بركة من الجمود، إذن لابد من  طائر ليتوحد به:
كان الطائر رسول الروح الهاربة من الأسر
كان الجندي رسول حرب
التقيا على منعطف القلب
على منقلب الصدفة
طائر جريح وجندي مهزوم
من يعيده الى خطواته الأولى؟ من يحلق بروحه الى ذاك المضيق؟ (المضيق الذي تشكلت اضلاعه على حافة كونية.. لا شيء بعدها سوى السديم، يتذكره حينما كان يلهو بمنسوب مائه المقطر؛ العابر الى رئات ظامئة!).
الغيمة ترحل عبر النهر
ينشق عن قمرها
طائر وجندي
يرحلان عبر الأزمنة والمفازات
فليعد هذا الذئب/ الجندي/ الطائر الى مضيقه، ومقابر أسلافه، وربعه الخالي (.. من كل شيء إلا من لثغات طفولته)، فقد شارف على الانهيار، كأرزة لا يستقيم بهاؤها إلا في كيمياء تربتها هناك، ليعد من هزائمه، وانكساراته، محملا بتقرحات غرستها بقلبه أرصفة الغربة، ليعد كالغريب.. حتى وإن حل في هزائم، وانكسارات، وتقرحات جديدة.. لم يرسمها له حلم العودة.
قال: هذه مدينتي
مدينة أجدادي
عرفها من الأبراج والمقابر
من ساعة الحائط في ميدان الشهداء
رغم غمامة الدمع الذي لا يتوقف
عرفها
ظل على مشارفها
منتظرا الدليل الذي سيقوده الى الداخل
نشرت في الطليعة الكويتية
نشمي مهنا