ناصر أبو عون
لقد تعب الحائط من السفر …
عندما يمشي الجسد
في الظلام تغادره
روحه وتتحفز خطاه
ليس من شك أن ثقافتنا العربية الحديثة الآن تقف في ملتقى رؤى متناظرة ومتضادة في آن واحد للجسد الإنساني فهناك النظرة الموروثة التي تقابل بين الجسد والروح ؛ جسد يعنى بالمادة والعدم والشهوانية والخطيئة والجهالة وعتمة الطين  وتلك النظرة قد انكرت الجسد إلى حد قتله كرد فعل للنظرة الوثنية التي ألّهَت الجسد؛ وروح تعنى بالنور والعفة والعقل  وهناك النظرة التي [ تُشَئِ ] الإنسان وتحوله إلى مجرد أداة للربح والمتعة وهذه النظرة انتهت إلى النهاية نفسها التي انتهت إليه النظرة الأولى ولكن بطريق أخرى فقد أصبح الجسد [صناعة] بعد أن انتقلت الحضارة الاستهلاكية المعاصرة من استنساخ الصور والنصوص إلى استنساخ الخلايا والأجساد.        وطرح قضية الجسد الإبداعي تنطوي على ( خوف جماعي لا يبرره سوى وطأة عملية التفكك وإعادة التشكل التي تفرضها الثقافة الحديثة أو الحداثة على مجتمعنا العربي وثقافتنا الشرقية كسيرورة تاريخية لا مهرب منها إلا إليها    ومن المؤكد لنا اليوم أن الثقافات التقليدية ومنها الثقافة العربية لم تكن تعرف الكثير عن الجسد ، وأن ما عرفته عنه لم يكن ليفضي بها قط إلى الاعتراف بحقوق الفرد في تملك جسده الخاص والتصرف فيه بحرية ؛ لأنها تعتقد أن في هذا ما يهدد الجسد الجماعي وثقافته العامة المتمركزة حول مقولات العائلة أو القبيلة أو الأمة.)(1)
غير أن جل هذه الثقافات ملئ بالضلالات المعرفية عن الجسد وأن عمليات مراقبته وقمعه الرمزية والعملية عادة ما تتم باسم الأفكار المثلى والقيم العليا التي تجد مرجعياتها في الخطابات الدينية وثقافة المجتمع الأبوي الذكوري
غير أن تجربة الإنسان مع جسده ، إن صح أن يُساق الكلام فيها بضمير الغيبة دون ضمير المتكلم ، تجربة أصيلة فريدة تكشف عن ضرب من الوجود الغامض ، الذي لا يسوغ معه أن يقال : ( إن الجسد شئ من الأشياء ، و لا أن الشعور به من قبيل الفكر المرضي ، ) ؛ لأنه مغاير لهما وتاريخه من تاريخ الإنسان في نزقه وشهواته ، ورضاه وسخطه ، وحريته وعبوديته ، وجوعه ، وطعامه ، وصخبه  وسكونه ، وحياته ومماته 0
**هدف الدراسة :
·        لماذا سيف الرحبي نموذجا؟
ونحاول عبر دراستنا هذه التأكيد على أن جميع الثقافات التقليدية وحتى الثقافات الفرعية تمر الآن بمرحلة مخاض في عصر (التفكيك) وهي في حالة ولادة جديدة وإعادة تشكل سبقتها عملية (أنسنة) لكافة تصوراتها السابقة وإرثها المعرفي والذي ما فتئت تحاول (عقلنة) أفكاره الأيديولوجية والدعائية التي قامت على استغلال الجسد الإنساني وقهره بشكل فج عبر مقولات مجانية .
إضافة إلى الإشارة إلى أنواعية الجسد في نصوص الشاعر العماني سيف الرحبي تطبيقا على رؤيته الشعرية الحداثوية ؛ ولكن لماذا سيف الرحبي نموذجا على وجه الخصوص تحديدا ؟
لأن القراءة النقدية الموضوعية لكتاباته الشعرية ارتأت أن الشاعر ينطلق من منطق يتمحور حول مذهب شعري يرتبط بثلاث دوائر متداخلة أو متماسة يحيط بعضها ببعض : الدائرة الداخلية وهي  محور الارتكاز :  (البحث) في ماهية الجسد وتحيط بها دائرة (الخبرة الإنسانية) ثم تحيط بهذه الدائرة دائرة أشمل هي الوجود.
وسيف الرحبي في قصيدته ينطلق من رؤية فلسفية لا ترى أن الحق الثابت يكمن في تطابق المعرفة بين ذات عارفة وبين موضوع معروف بل المعرفة هي الخبرة الشعرية ويتولد عبرها النص الإبداعي من :
1-     إعادة الكيفية المشاهدة بالحواس وهذه تحدث من خلال تفاعل الشاعر مع البيئة .
2-     التمييز بين المعطيات الحسية وبين الأفكار التي يسوقها لتأويلها.
3-     الأفكار الشعرية أو الفروض ليست ثابتة نهائيا بل عرضة للمراجعة وافتراض فروض جديدة
4-     المطابقة بين الأفكار والمعطيات الحسية بغية التحسين والتجديد المستمر .
ومن هذا التحليل نرى أن سيف الرحبي يرتّب لثورة شعرية / فلسفية تنطلق من الخبرة ومقاربة نظرية ترى أن القصيدة العربية السابقة عليه كانت تنطلق من مركز قديم هو الذهن العارف عن طريق جهاز من القوى كاملة في ذاتها إنما تفعل فعلها في مادة سابقة خارجية كاملة كذلك في نفسها .
أما المركز الجديد الذي تنطلق منه قصيدة سيف الرحبي فهو التفاعلات غير المحدودة التي تقع داخل مجرى طبيعة غير ثابتة وكاملة بل قادرة على التوجه نحو نتائج جديدة ومختلفة بتوسط عمليات مقصودة . وليست الذات و لا العالم ، وليست النفس و لا الطبيعة هي المركز كما أنه ليست الأرض أو الشمس هي المركز المطلق لكون وحيد .
وهذا التوجه النظري الذي ينطلق منه الشاعر في رؤيته يشابه نظرية (جون ديوي) التي ترى أن الصورة الضرورية التي نرجع إليها تتمحور حول فكرة أن هناك (كل متحرك) لأجزاء متفاعلة يبرز فيه (مركز) حينما يظهر مجهود لتغيير هذه الأجزاء نحو وجهة خاصة.
والثورة الشعرية أو الانقلاب الذي يدعو إليه سيف الرحبي له أوجه عدة متداخلة فيما بينها ، ولا يمكن القول أن وجها منها أهم من غيره ، لكن تغييرا من هذه التغييرات يبرز متميزا تمييزا عجيبا .
(فلم يعد الذهن الشعري متفرجا ينظر إلى العالم من الخارج ويجد سعادته القصوى في بهجة التأمل في ذاته ، وإنما الذهن موجود داخل العالم كجزء من عمليته الجارية على الدوام . وهو يتميز كذهن بأنه حيثما وُجِدَ وقع التغير بطريقة (موجهة) وبحيث تتجه حركته في طريق محدود واحد ، أي من المشكوك فيه والمبهم إلى الواضح وإلى المحلول المستقر . فالانتقال التاريخي الذي تتبعنا سجله كان من المعرفة كنظر من خارج إلى المعرفة كشريك فعّال في مأساة عالم متحرك على الدوام) . (2)
** منهج الدراسة :
إننا نرى أن المنهج اللغوي الأسلوبي هو أنسب المناهج لمعالجة موضوع الدراسة لقدرة هذا المنهج الفائقة على المزاوجة بين الأصول التراثية والروافد الحداثوية وبناء على هذا التوجه المنهجي الذي تعتد به الدراسة سيتجه البحث إلى عقد مزاوجة بين التحليل الأسلوبي والإدراك الذوقي ( الذي يوظف الحدس في الكشف عن المخبوء والإعلان عن الخفي وإظهار المضمر إلى حيز التلقي وهو ما يعني أيضا احتياج الخطاب إلى نوع من المغامرة النقدية التي تتجاوز التقاليد المألوفة ما كان منها تراثيا أو وافدا واستخلاص توجه يوافق طبيعة الخطاب دون انغلاق مطلق أو انفتاح مطلق ) (3)
والمتابعة الأسلوبية تتكئ على منطلقين أساسيين هما : الاختيار والتوزيع على معنى أن المبدع في مرحلة أولى يتوجه إلى مخزونه اللغوي و إلى حقول المعجم والدلالة ليختار من بينها دواله التي يوظفها شعريا . وفي مرحلة تالية يدفع بهذه الدوال إلى السياق لينشئ التراكيب وبين العمليتين علاقة جدلية لا تتوقف فالتفكيك والتركيب يكونان صلب العملية الإبداعية والنقدية.
وبناء على ما تقدم قمنا بتقسيم الدراسة إلى ثلاثة أقسام : يمثل أولها مدخلا لبيان تصورنا النقدي لمصطلح (الجسد الإبداعي) والتفرقة بينه وبين مصطلح ( الجسد اللغوي ).
بينما يتجه المحور الثالث إلى محاولة تطبيق الفرضية السابقة الذكر على النص الشعري لسيف الرحبي   .
** أولا : مداخل تمهيدية أولى :
·        أ): صورة الجسد في مرآة النظم الثيوقراطية العربية :
تؤكد حياة الرايس أنه ما من سلطة إلا وتقوم على أساس جسدي (ما) ، بل على أساس عنف واقعي أو رمزي تجاه الجسد يستهدف تطويعه والهيمنة عليه واستثماره سياسيا بما يصاحب ذلك  من عمليات إرغام وحرمان ومنع وفرض .
ومن خلال النظم الثيوقراطية عملت السياسة على تطويع الجسد وتركيعه بإذلاله وتحقيره ليصبح طيعا للعبادة والإذلال بالإضافة إلى كونه محل الثواب والعقاب فهو الذي سيعذب ويحرق ويأكله الدود 0
وترى حياة الرايس أنه بالإضافة إلى هذا الإخضاع الجمعي للجسد فإن جسد المرأة ينفرد بخضوعه لسلطة مزدوجة ، سلطة العام من جهة وسلطة الخاص من جهة أخرى (الرجل) في صورة زوج أو أب أو أخ أو ابن أو حتى (أم) تمتثل لقيم الذكورة وتنفذها.(4)
والعلاقة بين جسد المرأة والمجتمع العربي علاقة ملتبسة بحق ، ففي الوقت الذي يحاصر فيه المجتمع جسد الأنثى بكافة المحظورات فإنه يظل مهووسا به ، ربما بفعل الغياب أيضا ، فهذا الجسد المنبوذ علانية هو جسد محتفى به أيضا وهو سلطة اجتماعية يجب حمايتها وحجبها بكل أنواع الحجب . ومن هنا يصبح التساؤل عن العلاقة بين الأعراض المرضية والوسط الاجتماعي مشروعا0
وليس أمام جسد المرأة الواقع تحت سلطة المجتمع الذكوري إلا أحد طريقين : إما الانضواء تحت خطاب السلطة والالتزام بمصالحها وإما التمرد على كل الممارسات الضاغطة بسلطة الحرام0
ولكن في سيف الرحبي في قصيدة (كل هذا العمر) يعبر عن جسد / امرأة اختارت طريقا ثالثا غير الانضواء والتمرد طريق الغياب :
( وعما قليل ألتقي بالمرأة التي فرغت / للتو من تقليم أظافر الكواكب / وجلست على ضوء الأفق تستنطق أسرار / الغيب كسلة هواجس معلقة / في زنزانة / وأخيرا ، وليس بأخير ، أجلس على مصطبة / أخرى ، على بعد ألف سنة ضوئية / من الأولى / أبحث عن ظل امرأة لن ألقاه . )
·         ب): صورة الجسد المجازية في الثقافة الغربية:
لقد احتفت الثقافة الغربية بالجسد باعتباره الصورة المجازية لعصر الحداثة ومجدت الجنس باعتباره الصورة المجازية لما بعد الحداثة ويؤكد د0 عبد الوهاب المسيري بروز الجنس كصورة مجازية في الفلسفة الحديثة وهو ما نراه عند ليوتار في تشبيهه للعلاقة المعرفية بين الإنسان والواقع بعلاقة الرجل الساذج بالمرأة اللعوب : يظن انه امسك بها ولكنها تفلت منه دائما 0 ويرى كل من بارت ودريدا أن تحطيم المقولات العقلية واللغوية هي عملية ذات طابع جنسي : ذوبان وسيولة 0
ويتميز عصر ما بعد الحداثة في انتصار الموضوع (الطبيعة / المادة) على (الذات) الإنسانية المركبة أو ذوبان الذات في الموضوع واختفائهما ويعتقد فلاسفة ما بعد الحداثة أن فشل الإنسان في التحكم في لغته يعود لفشله في التحكم في دوافعه الغريزية 0
ويربط كثير من المفكرين من أتباع ما بعد الحداثة بين اللغة العقلانية والذكورة واللغة المجازية والأنثوية ويتحركون من خلال ثنائيات متعارضة بسيطة هي (صدى لرفض المرجعية المتجاوزة ) والإصرار على (المرجعية الكامنة) : لغة مباشرة / لغة مجازية – لغة ملتوية / لغة مستقيمة- وعي وتحكم وقمع غريزي/ لاوعي وفقدان إرادة واستسلام للغريزة – الذكر / الأنثى – عضو التذكير / عضو التأنيث – الدال المتجاوز الثابت/ الدوال المتعددة المتراقصة – البنية الفنية المستقرة / البنية المنفتحة التجريبية – التقاليد الراسخة / تقويض الموروث (وهم يفضلون الطرف الثاني في الثنائية) فاستخدام اللغة المجازية الملتوية والانحراف عن المنطق السليم هو انتصار للأنثى بجسدها المركب على الذكر بجسمه البسيط وجسد المركز هو تحد للتمركز حول (القضيب)
ونجد هذا التعبير عن الصورة المجازية المابعد حداثوية عند سيف الرحبي في قصيدته (رسالة) التي يقول فيها:
( الفجر ينتشر في غرفتي كذئب،/ يتقدمه زحف عوائه / قرية مهجورة . / الفجر يقرض ليله مثل لبؤة في / مستنقعات بعيدة / يعربد في الرأس  / الفجر هذه الليلة هكذا / وأنتِ غائبة عن السرير .)
·       ج):الجسد في الكتابات النقدية الحداثوية:
لقد قرأنا دراسات جادة حول الجسد في الفن الروائي والقصصي قام بها نقاد عرب وأكاديميين استطاعت تجلية مصطلح الجسد بينما في فن الشعر لم نقع على دراسة واحدة شاملة أو أكاديمية على الرغم من شيوع المصطلح ووفرة النصوص الشعرية من المحيط إلى الخليج ولدى الشعراء العرب المهجريين في أوروبا وأمريكا وهذا كان دافعا لإنجاز هذه القراءة الأولية لقصيدة الجسد عند يف الرحبي. ومن أهم الدراسات التي نالت شهرة وأثنى عليها نقادنا العرب حول الجسد في النص الروائي العربي الدراسات الآتية :
1- ( تمثيلات الجسد في في نماذج من الرواية العربية المعاصرة – لمعجب الزهراني : حيث نرى رواية ( نزيف الحجر) لإبراهيم الكوني تقدم تمثيلا (للجسد الطبيعي) ورواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي تقدم تمثيل (ا للجسد الثقافي الاجتماعي) في حين تقدم رواية  (نجمة أغسطس) لصنع الله إبراهيم تمثيلا للجسد الفردي المستقل عن الكون والمجتمع)
2- ( مفهوم الجسد عند بلزاك في روايته : (الجلد المسحور) – لإلهام سليم : وترى فيها الباحثة أن بلزاك كان مشغولا ببعض الموضوعات الفلسفية ومنها استنزاف الطاقة الجسدية والتي يرى أنها محدودة ومن ثم فإن على الإنسان أن يستغل هذه الطاقة ويستثمرها الاستثمار الأمثل حيث إن الحياة الكثيفة المفعمة بالفعل الجسدي والتأمل الفكري والشعور المفعم بالحيوية محكوم عليها بالنهاية السريعة  )
3- ( الجسد في الرواية العربية المعاصرة لـ (سعيد الوكيل) والذي يؤكد فيها أن الجسد الذي يقدم في الروايات ليس جسدا واقعيا بل هو تمثيل للجسد عبر اللغة 0
فالكاتب من وجهة نظره يستطيع أن يختار تصورا للجسد كأن يجعله وسيلة للتعبير عن العلاقة الملتبسة بالوطن ، ومن ثم يستند إلى مجموعة من الأفكار الأيديولوجية وهذا ما نراه في رواية (وليمة لأعشاب البحر) للكاتب السوري حيدر حيدر 0
وقد ينشغل الكاتب بالجسد بوصفه وسيلة للتعبير عن العلاقات الوجودية بالكون والآخر وربما يستند إلى مصادر عرفانية تؤدي من ثم إلى الإفادة من اللغة في جانبها العرفاني وهذا ما يظهر في رواية (التبر) للكاتب الليبي إبراهيم الكوني 0.
وقد يحرص الكاتب على الاعتماد على الميثولوجيا في بناء نصه ومن ثم يكون تمثيل الجسد معتمدا على لغة خاصة تمتح من الأدب العجائبي كما في رواية (مدينة اللذة) لعزت القمحاوي)0
4- ( تمثلات الجسد من خلال الرواية التونسية المعاصرة للباحثة التونسية عروسية النالوتي ويتكون البحث من فصلين : الأول : (استعارات الجسد ) وتدرس من خلاله موضوعين : الأول نسبة حضور الجسد في الروايات وسلم تراتب أجزائه وثانيهما تمثلات الجسد الذكوري والأنثوي ومرجعياتها وتدرس تحت (جسد الاستعارات) موضوعين أيضا هما تمثلات الجسد اللغوي والنص الأدبي بوصفه جسدا لغويا
·        د): صورة الجسد في الفلسفة القديمة والمعاصرة :
نلاحظ في الخطاب الفلسفي القديم والمعاصر أنه يتأمل الجسد عبر ثنائية (النفس والجسد) وقد رأينا أفلاطون يرفع من النفس على حساب الجسد من خلال تصور لا يحفل بالمادة بل يجعل الوجود خصيصة من خصائص الفكر وحده ؛ ومن ثم فإن اتحاد الجسم والنفس يعني التخلي عن عالم المثل وفقدان المنزلة الإلهية التي كانت النفس تنعم بها .
بينما نرى الفلسفة الأرسطية تجعل من النفس صورة لجسم عضوي يملك الحياة بالقوة ولم تعترف للجسد بقيمة مقابلة أو مكملة للنفس .
في حين ادعى ديكارت أن الجسد ليس أكثر من آلة تحتاج إلى اكتشاف قوانينها ، في مقابل النفس التي تمثل وحدها الذات . أما سبينوزا فإنه يرى النفس والجسد صفتين مختلفتين لجوهر واحد هو الله .
ويمكن القول إن هناك طريقين متباعدتين يعكسان رؤى الحداثة تجاه جسد الإنسان ؛ الطريق الأول : طريق الشك في الجسد واستبعاده ؛ نظرا لهشاشته ، والطريق الآخر طريق خلاص الجسد عبر تمجيده وصياغة مظهره ومحاولة تحقيق أفضل صور الإغراء له والهوس بالشكل والرفاهة والإبقاء الشباب ( أنثروبولجيا الجسد)
فإذا كانت الفلسفة الظاهراتية ترى الجسد مركزا للوجود من حيث إنه يمكن به إدراك العالم كما يمكن به إدراكنا لذواتنا ؛ فإن السوسيولوجيا ترى العلاقات الاجتماعية علاقات بين أجساد أساسا.
إن حساسية ما بعد الحداثة تكشف عن تحول عن المعرفة إلى الخبرة وعن النظرية إلى الممارسة وعن العقل إلى الجسد ، ويكشف موقف الحداثة من الإعاقة الجسدية عن موقف مرتبك من الإنسان فالحداثة تحتفي بقوة الفرد ومن ثم فإن المعاق يصبح في نظرها مربكا لتلك الرؤية لأن الإنسان المعاق يذكر بهشاشة الوضع البشري التي يصعب الدفاع عنها وهذا ما ترفضه الحداثة بإصرار .(5)
ويعتبر الجسد في بعض مكونات الثقافة المابعد حداثوية [ عنصرا فاعلا ومحوريا] إذ تمّ التركيز عليه واستغلاله لتحقيق أغراض تجارية محضة في مجتمع المال والأعمال فلا نجاح للسينما أو تجارة الأزياء أو الصحف والمجلات أو أغني االفيديو كليب بدون جسد .
لقد اعتُمِدَ الجسدُ كمثير أو كطرح ” ديماجوجي” للتأثير في المستهلك فجل الخطابات الإشهارية تخاطب في المشاهد / المستمع / المستهلك الجانب الغريزي : شهوة ولذة .
فإذا ما حاولنا البحث عن العلاقة التي يمكن أن تربط [ سيارة] بـ [ جسد أنثوي فاتن ] لفهمنا بدون عناء أن ركوب تلك السيارة يساوي ركوب ذلك الجسد بجامع (ما) قد يجمع بينهما من روعة وجمال . والغريب في الأمر أنه تمّ في بعض المجالات التعسف على المستمعين العائقين للصوت والنغم والكلمة بفعل شيوع الصورة vide-clip المرافقة للأداء الغنائي ، والتي غالبا ما تكون أجسادا طريّة فتيّة متثنية.(6)
***ثانيا: تمثيلات الجسد في نصوص سيف الرحبي :
تذهب النظرية النقدية المتمركزة حول الأنثى إلى أن النظرية في حد ذاتها ذكورية (حالة صلابة) والصلابة مرتبطة بالتجاوز  والمطلوب هو حالة سيولة أنثوية بغير تنظير ولا عقل ولا تجاوز . ولذلك فهي نظرية تصدر عن المرجعية المادية الكامنة ولذا فهي تشبه جسد الأنثى في شئ مباشر ليس له نمط محدد ولا شكل واضح .
وأصبحت آلية الحديث النقدي تدور حول وعن الاسطقسات الأربع المكونة للجسد الكوني وهي (الماء والهواء والتراب والنار) ويسعى النقاد للبحث عنها في أعمال المبدعين متأثرين بأعمال جاستون باثلار الذي عمّق علاقة هذه العناصر ببعضها في الكشف عن حالات الوجود الإنساني0
وعندما لم يعد الجسد مثالا للجمال كما كان الحال في الفن الكلاسيكي اليوناني القديم وأصبح (أداة للدعاية والترويج) للمنتجات الاستهلاكية كما هو الحال في الإعلانات وهذا الطابع الأدائي للجسد يكشف عن عمق اغتراب الإنسان عن هويته وصار التعبير عن المكبوت الجسدي ( والجسد هنا لا يعني الغريزة فقط وإنما يعني ثقافة الحواس كلها وفيها يجتمع التجريدي مع الحسي) هو تعبير عن المكبلات السياسية والاجتماعية أيضا .. وصار الاحتفاء بالجسد هو احتفاء بالإنسان وفيق المخيلة وهو تعبير عن تفتح الحواس والتفتح على الحياة ، المرتبطة بالموت ولهذا فإن صيرورته تتضمن التعبير عن الوجود الذي يتضمن الحياة والموت
في آن (7) وهذا ما نقرأه في قصيدة (المياه البعيدة) حيث يقول سيف الرحبي:
في المرايا الداكنة لمياه بعيدة / يحلق طير الرغبة خلف أفق مسدود / الوجوه المشطورة بنعيق السنوات / المدن اللاهثة على حافة نومك / العربات النابحة خلف الأسوار / كأنما جئت إلى سف قبل الولادة / تمضي وراء  جناز كبير من الذكريات / بقميص ملوث بدم المسافة / الجِمال فقدت ذاكرتها / وتاهت في الأزقة / السلالات الراحلة عبر الصحراء /  غرقت بكاملها في الرمل / تمضي بخطوة وحيدة / تاركا لكل مكان جرحه الخاص / ولكل منارة زنارا من الصرخات / وبجسد مضرج بالرحي / استوقفك القادمون من المياه البعيدة / لترى خطيئتك الهاربة .)
بينما هناك كتابة تتخذ من الجسد آلة في الكتابة وتمتد بالجسد كرمز للمكان الكوني والعضوي فتهتم باستخدام الحواس في الكتابة مثل التفكير البصري والسمعي والشمّي هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالمكان والظل مما يؤدي بنا في النهاية إلى تفتح حسي على العالم والتفكير في الجسد بوصفه مواكبا للفعل أو معوقا له وعند البعض يتحول الجسد إلى خيمة كونية تتعدى الدلالة المباشرة للجسد لتكشف عن أبعاد أعمق وهي كتابة تراعي البعد الأنطولوجي الذي يعتبر الجسد مقرا للوجود وسكنا للذات
وفي تلك الأعمال الإبداعية الحديثة التي ترى في الجسد آلة للكتابة نرى الجسد هو الكل الكوني ، والجسد الإنساني هو الرابطة بين الكل الكوني والكل الإنساني وكل منهما يتضمن الآخر ، فالجسد الإنساني يتضمن البعد الكوني من خلال هذا (الوعي) وخبرة الوجود والكل الكوني يتضمن الجسد من خلال التاريخ .
وفي هذا النوع من الكتابة نجد الاهتمام بعناصر الجسم وأعضائه وما هي إلا وسيلة للكشف عن تشظي الإنسان وتناثره .
وهذه النوعية من الكتابة تجسدت في كافة قصائد سيف الرحبي ونقرأها بوضوح شديد في قصيدت (قهوة الصباح ) 🙁 في الصباح البكر / والنوم مازال أفقا مكتنزا بالمرايا / تمشي خطوتين ، متعثرا بأحلامك / أحلام أنيقة عن مذابح / عن نساء بعيدات . / السرير وحيد ومأهول بالريح / [ من أي نجد أتيتِ هذا الصباح ، أيتها الريح ] / خطوة ثالثة تصلك بالمريخ / بعد أن تكون قد أفرغت النافذة / من البكاء / تجلس أمام الموقد بكف أصفر / الحيطان تبلع ريقها الجاف / الشمس تتسلل بين الشقوق / ذئبة وديعة / والركوة تغلي مثل مدينة يتشرد / سكانها في رأسك )
و يتحدث دريدا عن علاقة بين المجاز والمرأة اللعوب (الذي هو نهاية في حد ذاته ولا يوصل إلى أي معنى) 0 فالمجاز هو انحراف عن المعنى ويجعل التفسير مستحيلا 0 وهو لعب اللغة الذي يشبه الغواية الجنسية التي لا هدف لها وهو حلم بالتجاوز  ولكنه لا يتحقق أبدا وبالتالي لا يوجد معنى ولا إشباع ولا تفسير وإنما جوع دائم ، وقد شبه دريدا التفكيك بأنه (كونتينيواس أورجازم cpntinuoys orgasma حالة قذف لا تنتهي ويتحدث بارت عن لغة مثالية تتسم بالسيولة الكاملة والانفتاح المطلق بحيث يتحدث المرء من خلال كلمات ذات مقطع واحد هي أقرب إلى صيحات الفرح الجنسية ولا يتفوه المرء إلا بضمائر وكلمات مباشرة ولا يقول أي شخص سوى (أنا) و (غدا) و(هناك) وكلها تعبر عن حالة رحمية كمونية فردوسية يلتصق فيها الدال تماما بمدلولاته وتختفي فيه المرجعية المتجاوزة .
** جسد المكان في ( منازل الخطوة الأولى):
والقراءة  النقدية لـ (منازل الخطوة الأولى) لسيف الرحبي ( قراءة النص وإشعاعاته الممكنة) والتي تقوم على قراءة النص من الداخل بتفكيكه وتجميعه في أنساق وبنيات ثم اكتشاف ما وراء المعنى وما ينتجه النص من معرفة لا يتجاوز تأويلها حدود الإشعاعات اللمكنة التي يبثها النص نفسه باتجاه محيط دائرة النص مع الاستعانة بالخارج كذريعة من أجل تنوير النص وليس من أجل تفسيره لأن ماهية النص تختلف عن ماهية الخارج  لاحظنا أن سيف الرحبي يقدم لنا كتابة مختلفة لا تقوم على آليات الخطاب القصصي التقليدي وإنما تقوم على تكثيف الشعور بمعناه (الفينومينولوجي) الذي يتضمن الحس والعقل والخبرة المعاشة ويكشف عن المعطيات المباشرة للشعور من خلال آليات الوصف السردي للمكان وما يحفل به من أشياء وبالتالي ينقل مواقف وخبرات لم يكن متاحا تقديمها من خلال نص تقليدي والبناء القصصي عبر هذه الآلية تبرز عبرها (الذات / الرواي وهي متورطة في علاقات ملتبسة وغامضة ومتدرجة في ألوانها بين الظل والنور ولا تستطيع الذات أن تنحاز إلى لون من الألوان المتداخلة والكشف عن هذه المساحات الغامضة في علاقة الإنسان بالآخر وبالأشياء وبالزمن تعيد بناء وتركيب خبرتها المعاشة دون ادعاء بموقف ما فهو يدع الأشياء تكشف عن نفسها دونما مصادرة وبالتالي يدفعنا بعيدا عن الوقوع في تسطيح العالم من خلال فهم جاهز وإنما يسعى لاكتشاف أفق آخر لقراءة العالم لا ينطوي على المصادرة )(8)
والذات في (منازل الخطوة الأولى) ليست هي الوعي وإنما هي علاقة تكوّنها وخبرتها المعاشة بالأشياء والبشر؛ والإدراكات البصرية فيها استثارات للدهشة وآليات الكتابة لا تستسلم لمفاهيم سائدة وإنما تسعى للاكتشاف ، والوعي هو أحد مستويات هذه الخبرة يشتبك مع السلوك أو الفعل الذي يتحرك من خلال شروط الواقع الممكن  ورؤية سيف الرحبي هنا تكشف عن نفسها في تركيب النص وترتيب الكتاب ترتيبا قصديا وإنتاج الدلالة يكون من خلال المتلقي الذي يعيد بناء ما قدمه الكاتب على نحو يجعله مفهوما والقص الذي يبدو موضوعيا في سيرة الطفل العماني سيف الرحبي ليس كذلك وإنما هو يقدم الذات ليس على مستوى الوعي ولكن على مستوى الخبرة الحسية التي يتيحها تفتح الحواس المرهف على العالم .
(فالعالم هنا – بحضوره المكثف – يغزو الذات التي لم تعد فاعلة وإنما هي منداحة في العالم وملقاة فيه ولذلك نستشعر أنطولوجيا الكتابة ونحن نقرأ الوصف البصري لما يدور حول الذات أو تلتقطه حواسها فتفكر فيه تفكيرا بصريا ) (9) ويعمد سيف الرحبي إلى آليات في الكتابة تخلق منطقا داخليا لهذا العالم الذي قد يبدو لنا بلا منطق ولم يستخدم سوى ضميرين هما المتكلم والغائب وكلاهما كان أداة الرواي للقص عن الذات ولحظتها المفككة فهو يرى المكان لكنه يشم رائحة البلاد  التي يحن إليها ورغم بنية التفكك في النص إلا أنها تنضوي على وحدة .. وحدة مشاعر الرواي تجاه العالم فهو رد فاعل للأشياء التي تمارس سطوتها عليه وتشيد حضورها في داخله فهذا المنهج الفينومينولوجي في الكتابة يقدم ماهيات للذات  .
والشاعر من خلال نصه استطاع أن يدخل الحرية في جسد اللغة وجسد المكان عبر بنيتين : بصرية ومتخيلة وهما بنيتان تتقاطعان وتتفاعلان فالبصر البشري يتفاعل مع المرئيات المحسوسة ويعيد تشكيلها في أنساق بنيوية صغرى والمتخيل هو بنية ثقافية وجدانية تقوم بتحويل المرئيات إلى أنساق كبرى يحكمها نسق بنيوي واحد هو المكان.
وهذا ما التفت إليه عبده وازن عندما رأى أن سيف الرحبي ( يحاول أن يستعيد المكان الغائب عبر استحضاره لغويا وعبر تذكاره ورثائه أحيانا كما لو أن المكان أطلال يحلو الوقوف بها … يسترجع الأفكار والأحاسيس الأولى الصافية التي يثيرها الرحيل وينسجها في سياق شعري نديّ الملامس يمزج الأسى بالطرافة والوحشة يجد نفسه كما لو كانت جنازة ذكريات أليمة غالبا تتراكم وتتراكم يطويها النسيان ذكريات عن أرض أولى.
وعبر هذا النص الذي يتحدد بمظاهر التنازع حول الجسد الفردي للشاعر / الإنسان  في إطار تلك العلاقات القوية والملتبسة بطبيعتها وهو تنازع لم يكن يخلو من الحدة والعنف ونادرا ما تستعيد الكتابة خبرات الجسد في مرحلتي الطفولة والمراهقة نلحظ نقطة التقاء بين سيف الرحبي وادوارد سعيد في كتابه (خارج المكان) حيث علاقات التوتر الدرامي ونشاهد لعبة التجاذبات والرهانات التي تمحورت حول جسد الشاعر الطفل والمراهق من آثار قوية مؤلمة ساهمت دون شك في تشكيل وعيه المأساوي وبناء هويته الخاصة والقلقة ولا يبدو أنها كانت حاضرة بهذا المعنى في مجال وعيه واهتمامه لحظة المتابة رغم كثرة الشواهد النصصية الدالة على دورها المفصلي في هذا السياق . ( فالتعبيرات والمقاطع القصيرة أو المطولة نسبيا التي تستعيد خبرات الجسد وحكاياته بالكثير من أشكال الصراحة والجرأة نادرا ما تكون موضوعا للتأمل المعمق  وتبدو المفارقة العميقة التي تعلنها الكتابة كلما ركزت على ماضي الجسد ؛ إذ أن تلك الخبرات تفرض حضورها على الذاكرة لكن الذات الكاتبة تتجنب تحليلها في ضوء الفكر كما لو أنها تهاب الخوض فيها بشكل جدي )( 10) ونزعم أن إعادة صياغة تلك الخبرات والحكايات وبنائها في شكل مواقف درامية مختزلة يعبر عنها بأسلوب ساخر غالبا هو جزء من لعبة تمثيل أدبي تكشف التجربة بقدر ما تغطيها أو تزيحها رمزيا أو جماليا . ولكن يبدو أن الشاعر لجأ إلى التمويه كتقنية داخل لعبة التمثيل الأدبي ولكن بغرض توظيفها على النحو الذي أشار إليه محمد جمال باروت والذي رأى أن التمويه عند سيف الرحبي مفاجأة للعالم وكشف عنه إلا أنه مفاجأة وكشف يتمان عبر تجربة لا تقول وضوحها إلا في الوقت الذي تقول فيه غموضها وبمعنى آخر لا تقول عناصرحضورها إلا في الوقت الذي تقول فيه عناصر غيابها وكأن الرحبي يتذكر العالم وكأنه يغمض عينيه في الوقت الذي يحدق فيه ويسائله عن معنى آخر له ؟ وعن كينونة ممكنة يتجلى فيها .
** جسد اللغة في ( مدية واحدة ) :
إن اللغة الشعرية هي أداة التحرير من الآلية التي يتم بها تثبيت عملية التلقي لا على الأشياء وإنما على الرسالة الناقلة ذاتها وهذا المبدأ الأساس ( في تحرير الآلية يقوم بدور مهم في تكوين ما يطلق عليه (البلاغة المفتوحة) أي تلك التي لا تقتصر على الأنماط المتداولة المصنعة في الأشكال البلاغية وإنما تتجاوز ذلك إلى الاعتداد بكل ما يتمثل في النص باعتباره شكلا فالنص خلية / جسد تتحرك من داخلها ) (11).
والديوان يقوم على خاصية المنولوج وهذه التقنية لصيقة بذات الشاعر وعالمه الداخلي الذي يرفض ويتواصل ويناقش من خلاله الخارج المحيط وهذه الجدلية تقوم على توجيه الخطاب لمخاطب / آخر وإن كان الخطاب داخليا (فضمير المخاطب ) المتمثل في (الكاف) أو( أنت) نراه يتخلل نصوص الديون ويمارس إشعاعه في جسدها اللغوي كما نرى في قصيدة (يوسف الخال) : ( أما زلت بهيئتك الأبوية / تقرأ صحف الصباح / وتحاور الأصدقاء ؟ / ميمما وجهك شطر الغيب / حكاية تقصها عليك الرياح كل ليلة / ولا تنضب / وما بين (غزير) وباريس / كانت خطوتك الأخيرة / تتعثر بالتمائم / مسيحا يحمل كابوس الأجيال / ويتحدث / عن ما كان وما سيكون / ماذا كان وماذا سيكون )(11)
فالحركة الأولى في جسد النص تمثل خروجا مباشرا للحلم / الذات القصيدة إلى الواقع وتلقيها صدمة المواجهة الأولى ثم العودة محملة بالجرح . وبمراقبة الدال في النص نراه بسيطا في بنائه إلا أنه مع القراءة التالية يتكشف تشكله الذي ينبني من حركات ثلاثة :
–         خروج من الذات إلى الواقع مباشرة
–         رجوع إلى داخل الذات مباشرة
أالذات / الحلم
الواقع
ج