* إلى م لطفي اليوسفي
الذئب يعضُّ نواجذه
الذئب الراكض على سفوح الجبل الأخضر
أو في ذرى الهملايا
وعلى ضفاف البحيرات الكبرى
الذئب
صرخةُ الذئب التي صُنعتْ من صدقٍ ومحبّة
كامرأةٍ جَرَفها جنون الحبِّ
فتاهتْ في مهاويه السحيقة
الذئب الناعسُ على السفوح الملتهبة
يفتح عيناً كي يرى العالم الدامي
فيغلقها ليدخل فردوس أحلامه وبهاء رؤاه.
في الظلام الغزير يستقصي الأماكن والبلاد
الأماكن التي عَبرتها قدماه
يشتمّ الرائحة ، يرى عائلةَ الذئاب
والحليبَ المدلوقَ على مواقد الشتاء
يتذكرّ أنثاه الأولى
هي التي سكَبتْ الحليب على الموقد
هي التي رفستْه قبل أن تذهب في غياهب الجنس
هي التي قادته إلى حتفه
ليُبعثَ من نظرة ذئبة عاشقة.
الذئب الراكض قرب أنهار الأمازون
في سهوب سيبيريا
أو القرى الغائرة في كهوف الجبال
حين نسمع غناءه يهدهد أحلامنا
في المنام،
القمر الساطع على شرفة الطين
الأطفال على أسرّتهم ،
الذئاب تتجوّل سعيدةً في الردهات ،
أطيافها تصل القرية
في نفحة من عواء عميق
غناء أطفال مرحين فوق ضفاف
بحيرة مسحورة .
السحَرة ينظرون من نوافذهم
إلى هذه البّريّة الشاسعة من الأقمار
ورعاة النجوم لم يعودوا من أسفارهم
مسرّحين النظر إلى آخرِهِ
نحو سماواتٍ لا سقف لها ولا ضفاف
بين الفينة والأخرى
يستمعون إلى عواء الذئب
فيستبشرون بدنــوِّ نجمة الصباح
الرعود تخلع أبواب السماء
النجمة تضيع في عُباب السحاب
ولا شيء يضيء هذا الفضاء الفاحِمَ
عدا تلويحة ضوءٍ
من موقد عواء بعيد.
* * *
على رِسْلك أيها النحيب
أيتها الذئاب
الذكور والإناث الفارهاتُ
فوق مصاطب الأبد
أيها الغيبُ المطْلق غناءه على الذُرى
والقِباب
بإمكاني الآن من مكاني المضجِر
أن أرى القِممَ المتآخية
كعائلةٍ وسط الطوفان
وأرى الذئاب تنحدر جماعاتٍ
نحو البسيطة المأهولة بالمسوخ ،
لكن قبل ذلك
عليّ أن أتخيّل الذئب الوحيد ،
هناك فوق التلّة البعيدة
مصروعاً بالغياب ،
يدور في غضبٍ وشكيمةٍ متْعَبة ،
لقد هلك الحرثُ والنسْلُ
وبقي هكذا
شجرةً يتيمة تنتظر اقتلاع العاصفة
* * *
ذئبُ الفلاة
بمنحنيات أضلاعه الناحلة
ضمور امرأةٍ ربّتْ جسدها في لهبِ الرغبة
ميراث شبقٍ وهيام .
المرأة تنظر في المرايا
تتنزه في حديقة البحر
الذئب في الفلاة ينظر إلى نفسه
كاسراً طوق بشر ومفازات
بخَطْمهِ الأشهب
وعينيه اللامعتين في الظلام
يحدّق في مرآة الصحراء
حيث تسكن المرأة
ويقيم البحر .
* * *
ذئابٌ نائمة
كأنما في وليمة خدرٍ ونعاس ،
حتى توقظها نسمة من جهة الشرق
فتمضي
راكضةً وراء طريدةٍ لا مرئيّة
* * *
ذئابٌ هانئةٌ
بين النوم واليقظة
تحضن جراءها وتحلم ،
وحين تفاجئها الأصوات الغريبة
تنتشرُ
كخليّة نحلٍ بعثرتها أيادٍ بشرية
* * *
خلية النحل تُستفز من مَقيلها
العواء يحتل الأفق
يندفع نحو القرى المجاورة للمغيب
وبصلابة القَدَر واندفاعة الموت ،
تضيء الأنيابُ ليلَ الضحيّة
وتسكت الأصوات
* * *
عشيرة الذئاب المترحلّة
في ضوء الفجر
بين الكثبان والأزمنة
وبذلك الحنين الذي يسرجُ الصحراءَ
بدماء شعوبها البائدة
* * *
سحُبٌ هذه
أم بخار كوكب يتلاشى
مياهٌ سوداء يشربها الذئب .
السواقي جفّت
النخيل جماعات تفنى
أسماك القرش تبتكر طُرقا للانتحار ،
يشاهدها الصيادون ، أسراباً تقذف
زفرتها الأخيرة ، ويتساءلون ?454;
كيف برحتْ مرابعها البعيدة
لماذا اختارت ذئاب البحر ، اليابسةَ لتموت ؟
كل شيء يتداعى
ويزهر الجحيم
والرغبة التي لا حدود لظمئها
تضمحل كذئبٍ على حافة الانقراض
* * *
في ضياء قمر تشريني
ثمة ذئبٌ يعوي
ثعلب الجبال يزحف في الضياء والرمل
نحو الأحواض الملآى بالسائحين
ليموت
بحثاً عن مياهٍ مستحيلة .
* * *
على رِسْلِك يا ذئب أعماقي
يا تيه القطا
ويا جناح المسافة
شقيق أحشاءٍ بعثرتها الريحُ
فالتأمتْ في صرخة وديانك الحصينة ،
في نحيبك الليلي المنتشر
فوق ذؤابات النخل
وعلى شجر الأراك ،
مخدّة نومك الأثيرة
لم تكن جباناً
لكن روحك الكسلى
تنتظر هاتف الافتراس .
منذ بدء الخليقة
وأنت تتجوّل فوق صحراء الجليد
في العصور الطباشيريّة
الأبعد من عمر الآلهة
كان الجليدُ وطيور قليلة ترفرف
فوق الغَمْر
كان الكون المولود من دموعك الثكلى
وقلبكَ الجريح .