ربما من الرعب والسخرية بمكان أن يكتب العربي وهو المنفي والمهمش خارج اللحظة الراهنة للتاريخ، عن هذا العبور البرزخي المدمر من ألفية الى أخرى.
تمضي الأزمنة بمواكبها زمنا بعد آخر في هذه القاطرة اللانهائية من النحيب والمجازر والاكتشافات الخلاقة للعقل البشري، التي تجنح معظمها (الاختراعات) الى جهة الشر والفتك وإبادة الآخر، منذ صخرة هابيل حتى طائرة الشبح والصواريخ العابرة، وهذا هو عرين السر لهذا الكائن العجيب.
سؤال (النهار) حول هذه الفقرة أو ما يحصل من انقلابات حاسمة، إذا كان المراد من السؤال في في جزئيته التي ترمي إلى ما يحصل من لخبطة تكنولوجية بسبب الصفر وما ينتج عنها من فوضى مريعة في الحياة البشرية جمعاء بحرا وبرا وجوا، وعلى سطح كواكب أخرى، فأعتقد أن هذا ضجة إعلامية على نمط الضجة التي أثارها المصمم الايطالي في فرنسا العام الفائت عن دنو قيامته أو ما يشبهها، نوع من نَزَق استدعاء الكوارث لكسر النمط الاعتيادي للحياة في مجتمعات (مستقرة)، بلغت أوج تطورها. وإلا فالغرب وامتداده الأمريكي أو العكس من النضج والقدرة حتى الآن بحيث يستطيع السيطرة العلمية والفكرية والسياسية على كوارث التكنولوجيا والحروب التي يصدّرها للهوامش والمستنقعات في نظره.
أما سياق التطور العلمي والفكري فمن الطبيعي، أن يكون امتدادا لمنجزات هذا القرن لكن بوتائر أسرع وأكثر حسما وفاعلية وربما تؤدي إلى انقلابات جذرية في بعض الحقول، ولا ندري إلى أي مجهول، تقود اكتشافات هذا العقل، إلى أي مشارف لا تخوم لها والتي تمضي على جثة الضحية الأكبر: الروح!
إذا استشرنا الفرنسي ذا الأصل الروماني «سيوران« فسيقول لنا إن هتلر وستالين، بالنسبة للقرن القادم ليسا إلا طفلين في جوقة موسيقية.
لكن ماذا عن العربي في هذا القرن؟ ربما الصمت خير تعبير عن هول المشهد وسخريته اللذين يختلفان طبعا عن هول وسخرية أي مشهد آخر.
أما الشق الثاني من السؤال حول الشعر في القرن القادم، أعتقد ان العقل البشري مهما أوغل في عقلانيته الذرائعية وهيمنته المطلقة عبر وسائل أكثر فتكا من السلاح على حياة البشر أجمعين، وهمش كل ما له علاقة بالقلب والروح والوجدانات البشرية العميقة وهمش الآلهة التي ستحل في محلها «الميديا« والاختراعات بكل تأكيد، في سياق هذا التطور مع الأسف، يظل الشعر نوعا من ملاذ روحي وممارسة نقيضة لفئة قليلة من الناس، يظل لغة سرية بين هذه القلة الموغلة في يتمها وغربتها، لغة قادمة من عزلة وذاهبة إليها، والقطيع ينحدر أكثر الى قطيعيته وسفاهته.
«فماذا تعمل اليد التي هجرها الله غير الكتابة؟«.