تغيم حالة الوطن – المغتَرب أو المنفى في الثقافة العربية الماثلة وتلتبس في أوجه شتى لا تتضح في مرآتها فروق أساسية تذكر.
الثقافة المنتجة هناك «المغتربة« لا تقول هذه الفروق ولا تشي بها، رغم الاختلاف الجذري في المناخ السياسي الاجتماعي، الديمقراطي. وإن وشت ببعض الفروق فلا تتجاوز التفاصيل والاستثناءات. أي لا تمس العمق الثقافي والتعبيري ببنياته المتشعّـبة. متن الثقافة العربية في هذا المنحى واحد موحّـد فهو محشور في زوايا مغترباته ومنافيه بين الهنا والهناك.
متن يظل على هامش مؤسسة المجتمعات العربية، غير مقلق كثيرا وغير خطير.
لا تتضح فروق أساسية خاصة في الفترة الأخيرة حيث فرض التقدم التكنولوجي على الرقابات العربية بعض التنازلات في نواحي التعبير ومساحته بتجليات مختلفة.. منذ زمن بعيد كانت مؤسسات الثقافة العربية «المغتربة« ليست إلا امتدادا للداخل العربي وكذلك أنماط السلوك والتفكير إلا نادرا، كأنما قدر الثقافة العربية هو هذه الوحدة المأساوية التي لا تقول الاختلاف مهما شــطّت بها المسافة والفروق! شعريا وفنيا يفرض المناخ الجغرافي الطبيعي بعض التبدل البديهي ربما في قاموس الشاعر ومفرداته.
الشاعر الذي يسكن مغترب الطقس البارد يكون تعبيره عن منفاه واغترابه عبر «لغة« مشتقة في الكثير منها من معطيات هذا الطقس ومفردات المكان. والعكس صحيح بالنسبة لقاطني التخوم الحارة والشديدة الحرارة.. كم أحن في أن أكون بينكم في هذه اللحظة يا ساكني مغترب المناخات الباردة والربيعية التي تتفتح الأزهار فيها على كل منعطف وطريق.
أما هنا فالشموس متفتحة حد الانفجار في اليقظة والنوم.
وسيصلني حنينكم حين تدلهم سماء الشتاء العاصفة عندكم الى شموس ستكون عذبة على صفحة مياه دافئة.
* كلمة أدونيس نشرت في الكتاب الاحتفائي به لمعهد العالم العربي في باريس باللغة الفرنسيّة.