________________________________

                                                         بقلم ظبية خميس

ندوة مجلة نزوى الثقافية و مرور 3على عام على التأسيس.

مسقط-21 فبراير إلى 25 فبراير-معرض كتاب مسقط الدولي.

يتحرك  بنا و فينا الزمان و المكان.

البذرة التي تنمو و تغير تربتها مرارا في تمرد لا يتوقف متشبثة بالحياة و النمو أيا كانت قسوة الأزمنة و الأمكنة.

و نحن ذلك الجيل من الكتاب و الشعراء إأشجار نمت عبر أمكنة و أزمنة و رياح و عواصف و أحلام و كوابيس و شتات و خيبات و إصرار عميق على أن تورف حيث ما تكون.

جيلي من كتاب و كاتبات الخليج و العرب إبن التجارب الصعبة و الإحتدامات و إختراق الثقافات و التنقل و السعي نحو تشكيل وجدانه و عقله و خطابه و حياته من خلال العالم بأكمله و ليس بقعة جغرافية محدودة في واقعها و رؤيتها و أغلالها.

نحن صنعنا و ربينا و راكمنا التجربة الإبداعية و الفكرية عبر تمرد طويل على الخطاب السائد و المستقرات و الثوابت التقليدية.

و كان لا بد من الكثير من الصدامات و تحمل سوء الفهم المتبادل في مجتمعاتنا المحلية لأننا كنا أسبق في الرؤية و النداء بالحداثة الفكرية و الأدبية و الحياتية و إدخال مفاهيم تصارعت فيها ثوابت الأصالة مع متغيرات و صدمة الحداثة في مجتمعاتنا.

و كان علينا أن نذهب إلى عواصم العالم و لغاته و جامعاته و منابره لنكتشف القرون التي جدت على الزمان و المكان حين كانت أماكننا تتثائب في زمن قديم_ حي لم يتغير لقرون من الزمان بمفاهيمه و لغته و ممارساته و حدوده و محرماته و أفكاره.

شكل الغرب حاضنة لهذا الجيل بآدابه و علومه و فنونه و أساليب الحياة و التفكير و الإنتاج الإبداعي و الفكري و هكذا خاض عولمة ثقافية يذهب إليها فيما هي اليوم تأتي إليه بكافة الأشكال.

أرى مجلة نزوى الثقافية إبنة تلك التجارب و تراكمها في العقل و الوجدان الثقافي العربي لأجيال تتالت و تأسست و تواصلت مع من سبقها بأرضية جديدة قامت على التفكير الحر و تمرد الخطاب و على التجديد و على الإصرار على عروبة تنتمي لليوم بوشائج و تشكلات مازجت ميراث التنوير العربي و الإنساني و حركات الحداثة الغربية و العربية في إطار يؤصل لبدايات جديدة أثرت في النتاج الإبداعي و الفكري و الفني في الزمن الحديث.

و مجلة نزوى على خصوصية محتواها هي إمتداد للحركة الثقافية التي خلقت قيما و خطابا و أفكارا تحدت بها ما سبق مما كان سائدا في العقل العربي المعاصر مثلها مثل مجلات كثيرة:العربي و الناقد و القاهرة و إبداع و فصول و أدب و نقد و لوتس و الكتابة الأخرى و مواقف و كتابات و كلمات و شعر و غيرها و الكثير من الملاحق الثقافية العربية في المهجر و الداخل.

مجلة نزوى هي مرآة لجيل الثمانينيات الأدبي من الخليج العربي بحداثته و تجديده للخطاب و سعيه نحو الحرية و التحرر و هي مشروع يمثل الشاعر سيف الرحبي بشكل خاص و جيله الأدبي العماني و الخليجي و العربي.

و لعبت شخصية سيف الرحبي الدور الأبرز في التأسيس لهذه المجلة الثقافية المحملة بتجربته الإبداعية و تاريخ إرتحالاته و صلاته الثقافية في العالم.

نزوى ليست عمان فقط رغم أنها تحمل إسم العاصمة القديمة لعمان و الإيحاء التراثي و التاريخي بالمكان.لكن نزوى هي كل المدن التي عاشها سيف الرحبي و تشكل فيها ثقافيا و إنسانيا في رحلة طويلة عاشها متنقلا و متأثرا و ناقلا للتجارب الثقافية و الإبداعية و الإنسانية التي صهرته و شكلته ليكون من هو اليوم.

نزوى هي الشارقة و أبوظبي و دبي و دمشق و القاهرة و المغرب و الجزائر و باريس و لندن و صوفيا و أمستردام و ثايلاند و كل بقعة زارها و عاش فيها ذلك الشاعر.

و نزوى هي سرور أيضا مدينة سيف و الجبال و الأودية و التاريخ و التراث و الميراث و الجبال و الأودية و الأهل و السحرة و الرياح و الذئاب و المخلوقات الكثيرة التي كتب عنها سيف مصحوبة بوعورة الطريق و بنات آوى.

أنا و سيف رفاق طريق قديم منذ 44 عام أي قرابة النصف قرن.جمعنا الشعر و قصيدة النثر و مجلات الأزمنة العربية و أوراق الثقافية و لندن و باريس و القاهرة و بيروت و غيرها من المدن.

توالت إصداراتنا و كتبنا عبر ذلك الزمن و جمعتنا صداقات مشتركة و تمرد من نوع خاص و بحث لجوج عن الحرية و المفاهيم الجديدة و الإبداع بدون قيود و لا أغلال و لا أسقف تهبط على أعناقنا.

جيل حارب من أجل الكلمة و الحرية و العيش و عانى الكثير من ظروف الحياة و تبعات صدامات طالت و بحث عن منابر للنشر و أماكن تصلح لحياة كاتب أو كاتبة و دفعنا أثمان كل ذلك من حياتنا.

لم يكن الطريق سهلا و لم تكن المسسات تساندنا كما تفعل اليوم مع الجيل الجديد من الكتاب لكننا أصبحنا مؤثرين في مسار الإبداع في مناطقنا و تلتنا أجيال شربت من تلك التجارب و أصبحت أكثر راحة في الوصول إلى المنابر و المؤسسات و أكثر تصالحا مع مجتمعاتها.

لقد صمدت مجلة نزوى لثلاثين عام و فتحت صفحاتها للكثير من الكتاب و الكاتبات من مختلف الأجيال و رسخت لحرية الإبداع في عمان و الخليج و العالم العربي و لا أستطيع تصور كيف تكون نزوى بدون سيف الرحبي و هل تستمر شخصيتها الثقافية الحالية بدون وجوده فيها و هناك تجارب نعثرت حين فقدت مؤسسيها مثل الكرمل و محمود درويش و مواقف و أدونيس و الناقد و رياض الريس و كلمات و قاسم حداد و غيرهم.

كما أتسائل و قد سبق أن ذكرت أن نزوى تمثل جيل الثمانينيات أدبيا عن مدى حاجتها للتجديد في صلتها بجيل الألفية الجديد من الكتاب و الكاتبات و القراء مع تراجع الصحف و المجلات في العالم لصالح العوالم الجديدة الإفتراضية و تغير أفكار ما بعد الحداثة و المفاهيم لدى الأجيال الجديدة و تعبيرهم عن ذواتهم الإبداعية.

مرور ثلاثين عاما على تأسيس مجلة نزوى الثقافية هو ليس فقط مناسبة إحتفالية نحتفي فيها بالمجلة و بالشاعر سيف الرحبي و فريق عمله و كل من شاركوا بالكتابة في تلك المجلة بل يتوجب أن يكون نقطة إنتباه و تحول لتصبح المجلة إبنة زمنها الحالي و قرنها الجديد بمختلف ما جد من تحولات و أفكار و قيم جديدة كي تشبه هذا الجيل الحالي.

من صفات الحداثة أنها تقوم بتتابع الأجيال و تقتضي أفقا جديدا في كل زمن جديد شكلا و مضمونا.

لقد مات معظم رموز الحداثة العربية من رواد و نحن جيل المنتصف و لا شك أن الزمن الحالي يختلف كثيرا عن مراحل تأسيسنا و عليه يتوجب أن لا يتحول الحداثي إلى تقليدي و نمطي يعيد تكرار نهجه و خطابه بل يجب أن يتم التجديد الشمولي لشكل و فحوى مجلة نزوى لكي تبقى قادرة على الإستمرار الحي العضوي مع الحاضر و المستقبل و هذا هو التحدي الحقيقي لما بعد تراكم التجربة.

التقدير و الإعتزاز بمجلة نزوى الثقافية و بالشاعر المؤسس سيف الرحبي و كافة فريق عمله الدؤوب لإصدار المجلة و التواصل مع مثقفي عمان و الخليج و العالم العربي و العالم بأجمعه.

23-2-2024

مسقط-سلطنة عمان.