الجندي الذي رأى الطائر في نومه (شعر)

الجندي الذي رأى الطائر في نومه (شعر)

كم هو مؤسف

إطلاق حصان

وحيداً في الفراغ!

             ريوكان

              (من شعراء الزن)

منحدرً من أمراء رُحّل

انتحر

ذلك لأن ليس له

وطن

ولم يكن يعرف العيش تحت

خيمة أهله.

      أونغاريتي

ضربة شمس

ماذا تريد مني

هذه الذئبة التي لم تعد وديعة

كما كانت

تستشيط أكثر كلما امتدت الآلة الى ممالكها

الفسيحة في الظلام.

أي غباء لشاعر يرمزها بالحرية.

هذه العظْمة التي أقلبها بين أصابعي

من غير أن تكون لي أسئلة هاملت

(بسبب الشمس يقينا)

عظْمة الكتفين أو الفخذين

والرأس

عظْمة قاطع طريق في القرون الوسطى

عظْمة الكاحل لعاشقة

في هضاب غرناطة وبيروت.

عظْمة الغراب الأول في الخليقة.

عظْمة جارنا الزطيّ الذي مات

منكفئا على فرج زوجته بينما الهاجرة

تصهل في الخارج

عظْمتي أنا

قبل أن أكون حلماً لفراشة شمسٍ

تغطس في صقيع

أو بوذي على مصبات نهر الصين.

أي هذيان شمسي يدفعني لتقليب

رفات الموتى

أخوتي في الرضاعة والمصير؟

أشجار ترحل

كأنما يمطرون بكاء أخيراً.

على الطاولة أعقابُ سجائر ونبيذ

سقوفٌ تنهار باستمرارٍ

على رؤوسهم

وأشجارٌ ترحل

كأنما جاءوا من آخر العُمر

أوله ضاع في الضجيج.

كأنما جاءوا من آخر الدنيا

يتبعون نجوماً نزفتْ آخر قطرة ضوء

وجبالاً تشيخ في عرينها الأزمنة.

كان التذكّر

جسرُهم الوحيد نحو المحاق.

ذكرى

كادت النظرة أن تتجمد

في فضائها السان

وهي تقول:

((مرّ زمنٌ بعيد لم نلتقِ))

مرت أجيال وحروب

مرت شاحنات في ليل حالك

مرت صيحة الغراب على رؤوسنا، ضحى

ذلك اليوم القاسي من شهر آب.

البحيرة المسحورة التي غرقتُ فيهاأخيراً

صوتك

من يوقف هذا الهيجان في الأعماق

 آه , لو صوتك صوتك فقط

خفقة نسيمه تصلني عبر المسافة

نسيم البحيرة المسحورة

التي غرقتُ فيها أخيرا

 خفقة الجاع المُتعب.

لهدأت عواصفي قرب الضفاف .

المدينة المنكوبة

في المدينة البحرية

التي عشت فيها زمنا

مدينة القراصنة

والأصدقاء الرائعين

 قبل أن تصعقهم ريح الجنوب ,

 كنت تتنزهين في ردهات الميناء

 مأخوذة بالسديم

حين تهت بين السفن والأشباح

مع صديقتك التي لا تشبهك

وكانت روحك , تشرق من بين الأنقاض

مرعى أيائل ودليل حكمة ناقصة

بنظارتك السوداء السميكة

التي راودتني الرغبة في تحطيمها

 تصطادين البحر

موجة بعد موجة ,

ربما حلمتِ بهدايا

للمدينة المنكوبة .

* * *

جاءوا من بعيد

يحيونك بالنرجس والأقحوان

أنت الغربية المرتجفة بسعادة غامضة كنخلة

 يحركها نسيم في صحراء،

 المغولية العينين

الهجينة بالريبة والسُلالة

 تردين التحية بأحسن منها

تمتمة راعشة في الشفاه

الخجل الذي يتوارى من غير حجاب

 والصمت المُزهر في أحداقك

كما تزهر أشجار

في غابة .

شعاع قرن قادم

كان الفجر بدأ في الظهور

وكانت الموسيقى, تصعد تدريجيا

حتى تتلاطم مع ظلاله في اشتباك

عذب وعميق .

كان الفجر هكذا

حين تذكرتك

جالسة مع دفتر مذكراتك

في بهو الفندق , حيث كان الأصدقاء

 يصخبون مع مطربة المطعم ,

وكأنما على حافة الكون

نجمة تلمعُ بين رماد الغرقى

في البحار التي لا ينقطع نشيجها طوال

الليل.

تبدين شبقأ للشُهب التي تساقط

على مقربة منك

وصفتها ذات مرة

بكرم السماء

وكان دانتي, قد نعت النجوم في جحيمه

بكائنات السماء الجميلة.

لو كانت تمطر، دافقة وغزيرةِ.

لو كان كرمها عظيما على الصحراء

 لو كانت تمطر يا إيفا.

مرّ دهرٌ لم أرَ فيه أمطاراً

عدا الأمطار التليفزيونية طبعاً

تقفين على الحافة

تستسقين النجوم , التي كان الذبياني

يرعاها في ليله البطيء والثقيل .

كانت دنف العاشق المذعور أمام سطوة الوجود

الذي كان النعمان

إحدى رسائل بطشه.

تقفين على الحافة

تنظرين الى شعاع قرن قادم

(مات كرم الروح )

قلتها في بهو الفندق أيضاً

فما فائدة الأزمان , تترى

على صفحة الضحية ؟

المحطات موقد الغياب

يا لأيامي ووحدتي

أقولها صراحةٌ

من غير مواربة ولا كناية

لأن هذه الأسوار والكوابيس

العاتية ستنجز لا شك , مهامها

الضارية في أعماقي

ولأنّ كلب الطفولة كفّ عن النباح

خلف تلك السهوب اللامعة من الحلْفاء.

البارحة افترقنا

هكذا من غير وداع

ولا دمعة يكبها نيزك بعيد

هكذا

دائما

على مفترق طرق وأزمنة

ربما الالتفاتة الثكلى لآيل جريح

بين المحطات التي تشبه ساحة حرب

رأيتها تحلّق في الأفق

وحيدة هي أيضا

من غير شفاعة ولا آلهة

لا تنظر إلى شيء.

 كانت زائغة وجميلة

الجمال الشاحب في موقد الغياب

سحنة البداة في نار ليلهم

الغيمة التي يشطرها برق

العاصفة .

بعد ساعات رجوعي

من بلادها البعيدة

كانت أول زوّار ليلي

رأيتها ترتب آنية الزهور

وتلهج بأسماء أشجار لا أعرفها

تقول : إن بيتك موحش وكئيب

وبحاجة الى حديقة تحد من فيض الصحراء .

رأيتها تصلي بين أطفالها الكثيرين

وتنهاهم عن هواية قتل العصافير

هي التي أبادت مدنا كاملة

من غير رنّة جفن

وأماتت الأفعى التي لسعتها

كانت في الصلاة

كما في محطة القطار

 شاحبة

في ضوء شموعها الراحلة .

المياه التي باركها الأنبياء

الغنيمة التي جادت بها السماء

والمياه التي باركها الأنبياء

على صخرة عطشهم الكبير

رفّة جناح الهدهد في عرش سليمان

تبكين ألما وبهجة

وتبكين رغبة ، تنفجر على منعطف الأشواق

(عروق جسدي أنهار خبيئة)

تسيرين بأصبع عار من خاتم

الزواج

كنت البحيرة التي تحلم بها الريح .

* * *

تغلقين الأبواب كلها

كي أفتح بابا أو نافذة

أطل منها الى كهفك المظلم

إلى كنوزك الخفية

حيث تتدلى الأهلة والسلال

بأثمار ناضجة

وظباء تنضح حركاتها عن جهل

الذين مروا قبلي .

اللُقية الباذخة

للجسد المجبول بالنسيم

وللمتسكع في ليل الأعضاء

يرشح دم الرغبة

بحثا عن النبح المسترسل في

هذيان الغابة .

سدرةُ المنتهى

باليد الوحيدة العزلاء

اليد المضرّجة بصرخة الذئب

أخلع الأبوابَ

باباً باباً

سلّمةً سلّمةً.

وببصيرة ثاقبة

مضاءة بزَرَدِ الثُريا

يتبعني الفلوُ المرتجف

وسط رماله الهائجة

صعودا

هبوطا

حتى اقاصي الشهقة .

عطر الأبديّة

سدرة المنتهى.

صقيع الخارج

كانت تلك نأمة القطا

على الضفاف

نبرة اللجين

صوتك الباحث عن الدفء

وأنت تفتحين الباب

هاربة من صقيع الخارج.

الليل البهيمي للحيوان

حين نطقت لأول مرة “كلمة” أه

تداعت في أعماقي ممالك وذكريات

انهمر الثلج عميقا في الظلمة

انهمرت موسيقى

وكان حصان يجرى لاستقبال الأميرة

 المفتونة بالليل البهيميّ للحيوان.

كنت قرأت كتاباً

وصفته بأثقل من نكبة على القلب

لكن المفردة كانت حرةّ تتجول في المقهى

بعيداً عن القصد

وكنت أسيرها

أسير الالتباس القاتل للحكاية

آه

تخرج من الفم الهاذي

أمام الكنيسة

كأنما حورية تتعثر جريحة في الغابة .

طائر يعبر الحديقة

كنت تميلين برأسك في الفراغ الكبير

رأسك المترنحة بالضجر والنعاس

كأنما على كتف طائر يعبر الحديقة

في الصباح

كانت تلك لحظة ضعفك

المجيد..

قوس الجسد الضاري

أسقط في هاويتك السعيدة

مشدودا بقوس الجسد الضاري

قوس قزح الفخذين

حيث يتغذى النسغ من أنهاره

الرحيقية.

صيف الأبدية

ما كنت أعرف

أن يومين، يومين فقط

سيأخذان روحيَ

نحو صيف الأبدية.

بعصا الأعمى في ظلام الظهيرة

لا فريسة في الأفق

العقبان تسطعُ في الظهيرة

كأنما تسبح في ظلام خاص

بعيون مغمضة قليلا وناعسة.

روحُها القلقة تحلّق فوق المدن

التي بُنيت على عجلٍ.

من رفات حطّابين وجماجم قتلى.

أحيانا تخبط الهواءَ الراكد

كأنما تنقضُ على فريسة

لكن لا فريسة في الأفق

ربما الخواء اللامع بمعادنه الثقيلة

التي تغطس في القلب

ربما الظهيرة

تقرع بعصا الأعمى

أبواب الحنين

ربما الحياة التي تتوارى في فم ذئب.

أحذية الجند

هذه الأرضُ

التي تئن تحت أحذية الجُند

وثقل الصيارفة،

قد مشى عليها ذات يوم

شعراء مرهفون

وملائكةٌ خُضْر.

مشت عليها النسوة الوثنيات

والرجال البدائيون

محمولين على النيازك والبغال

فوق جزر تتنزه أمطارها

في النومِ

ومشى على بطنها النشيدُ

في فجره الندي.

رومانسيّة

ظلُّ امرأة وحيدة

في زاوية مقهى.

ظل نمرٍ جريح

بحرُ غواية.

يقظة النازع الوحشيّ إلى حديقة الجنس

كما لو أن ناراً لطيفةً تنبعثُ

من الزاوية

ناراً مخمليّة آسرة.

قبل قليل ودّعت صويحباتها

وبقيتْ تدخن محدقة في ألبوم صورٍ أمامها

وثعالب مخبولة تتقافز في كهوف قريبة،

بينما الخرافُ تلعق الماء الآسن في البحيرة.

ظلّ امرأة وحيدة

أكثر حناناً من أمومة

امرأة وحيدة

في زاوية مقهى يضجّ بالأشباح.

لمسة من يدكِ

هذا المساء

البحرُ مضطربٌ مثل أعماقكِ

ألقي جسدي فيه

يسبقني عويل السنوات

وحنيني إلى لمسة من يدكِ

المباركة.

تحت سقف الصباحات

صراخي ما زال مزهراً

تحت سقف الصباحات.

لم تستطع مدينتكم أن تخنقه.

صراخي الذي بنيتُ العشب

على صقيعه

الناهب الأعمى لميراث السكون.

صراخُ الرعاة حين يجفلُ القطيع

أمام حيوانٍ كاسر

صراخ القديّسين والأبالسة

على حافة القيامة.

حملتْه من مدينة إلى أخرى

مثلما تحمل لأم رضيعَها

والعشيرة نبتَ السلالة.

دليلي الوحيد إلى مواطن النبعِ

في الظلمة الكفيفةِ

وفي أزمنة النسيان

صراخي تحت سقف الصّـباحات

والليالي

شاهدَ صمتي

شاهد الجنون واللذة.

لن تأخذوه مني

مهما كبرت الأظافر والأسلحة.

يمامة

أيتها اليمامة

التي تلجأ إلى نافذتي

من قيظ الصّحراء وعصور الذرّة

ترفقي بصوتك

الذي لا أكاد ألمحُه

إلا كشبحٍ جريح.

ترفقي به

كي لا تنهارُ السماءُ

على ذروة الجبل.

صبيحة يوم عيد

أرواح الغائبين التي تخفق دائماً

أجنحتها تجرف المسافة

ما بين البندر والقرية

أمضي صبيحة العيد

تحفّني أرواح وغيابات

أحدّق في الأطواد الهرِمة

(لغزها الأصمُ ما زال يبطش بي)

التي شهدت ميلادي قبل قرون

وتلك الحفرة التي خلّفها غضب الثورات

صبيحة يوم مضى

حيث شاحنة بركابها

تغرقُ في لجّة الانفجار.

حيارى ننظر

في قلب دوارٍ أحمر

كأنما الأرض انشقتْ عن

بيضة بركان.

صبيحة يوم عيد

لا أرى أحفاد المسرّات

الأوائل.

لقد رحلوا خلف بروقٍ بعيدةٍ.

عَبَدَةُ الحصان

هذا عشبٌ محروقٌ

وتلك ثعابينُ الصيّف تختبئُ في الكهف

منتشيةً في حلمٍ

وهذا الجرادُ، جرادُ المقبرةِ

ذلك الذي تعرفه الأقوامُ السحيقةُ

عَبَدَةُ الحصان؛

يفزُّ من شاهدة إلى أخرى

محمولا على كتف المغيب.

الصّفرد*

ينزلق العدمُ من صوتك

كأقوامٍ غابرةٍ

أبواقهُم تهمّ بالرحيل .

 لكنك الأكثر بهجةً بيننا

تسْرح بين الأخاديد والأكمات

قبسا من تراب

كأنك التميمة المُوثقةُ على عنق الأرضِ

النأمةُ الأخيرة .

في مساءاتك المأهولة بالحُور العِين

وعلى مقرُبة من بحر عُمان

 تسّاقط شُهُبٌ وحيتان

 حيث كنّا نصطاد الأهلّة

ونشتاقُ للرجوع:

إنه الفضاء يقرعُ صنوجه في

صوتك الغريب .

__________________

هامش: (ويسمى أيضا الديك الوحشي)

غياب

مشينا إثركم

ومشينا في الحقول

قطعنا أودية وشعابا

وفيافي ضاع القمر في تخومها

ضاع الفلكيون

ونجمة الصباح

لا شيء يدل عليكم

لا شاهدة قبر

ولا علامة.

أخذكم الهوى

نمتم في رأس موجة عاصفة.

عرين سماء مقفرة

تلك النظرة في سمائها الشاسعة

النظرة الوحيدة

العالقة في أهداب القمر

تلك النظرة التي تحرث سماءها

من حطب البراكين

براكين البارحة

رغم ما مر عليها من جحافل السنوات.

* * *

سحب طالعة من أعتى القمم

أرمقها من النافذة

طالعة ببطء تجتر جثة أجيال كئيبة

تتجمد وتتلاشى

كأنما لم تكن أبداً

وسط عرين تلك السماء المقفرة.

* * *

أحيانا تشرئب بأعناقها الثكلى

تحدجني بغضب

كأنما تطالب بديْن السنوات التي

أرحت وجودي عن رؤيتها

ديْن الغياب

كأي عاشقة شرسة.

* * *

السحب من وراء الجبال البركانية

تبدو كضباع تتقافز بكسل أمام الفرائس

التي يهيئها السحرة في مأتم

ليل باذخ.

* * *

تلك الأيام، تلك الأيام

حين كانوا أطفالا

يتحلّقون في سفينة الجبل الكبير

والأيام كانت مندسة في الكهوف.

* * *

يطلع لسان سحابة

كجناح مكسور

يجثم على الجبل

التي تستقبله بوله العاشقين.

* * *

كلُ خيمة سحابة

وكلُ سحابة مدرار في رحم الخلاء

الشاسع:

هكذا يحلم البدو في ليل الجفاف.

* * *

سحابة تسوق قطيعَ جبالٍ أمامها

وتحلم بالربع الخالي

أخرى تسوق قطيعَ أفراسٍ

هاذية بالبحر.

* * *

يحفر الحفارون قبور القتلى

وينسحبون إلى مخادعهم السعفية

حالمين بقبور أخرى.

* * *

الظهيرة بعضلاتها الدموية

تستفز القيامة بشكل مبكر.

* * *

كلُ هذه الأشباح والمجازر

كلُ هذه الكوابيس والصحارى

كلُ هذه الأرواح المحطمة

كلّها من وحي أفكاري التي نسجتها الحمى والمتاهة.

غفوة الضحى

الرياح في المنحدرات المدارية

نائمة على أسرَّتها

لم يوقظها الإعصار بعد

لم توقظها صيحت البحارة والمستكشفين

في المحيط

أنت الأكثر شبها بقسماتها في الأثير

وهي نائمة

كعروس، فاجأها النعاس بمخدر.

غفوة الضحى

والأحلام تتطاير عبر الجزر التي

لم تطأها أقدام البشر.

مقهى القصبة

سعيد بيأسي

أجلس قرب النافذة

بمقهى القصبة*

أحدق في الميناء الصغير

إلى القوارب والمارة والعربات

أراقب الطيور بأنواعها، تتقافز

فوق غدران أشجار هرمة.

* * *

يخاطب أشباحه

ملائكة العتمة

يتعهد لها بالوفاء والمحبة

والعيش المشترك.

* * *

كم من الأزمان مرت كجبال على

رؤوسنا

منذ أن بدأنا هذه الرحلة

الغربان التي شاخت فوق أشجار السِدر

وغارت دول وبحار وأساطيل.

وحبنا باق

وحده الباقي

زهرة عاتية

حبنا العدمي الكبير.

______________

* مقهى بمدينة أصيلة- المغرب

كيف تصنع بقفر حديقة

بعد حلاقة الذقن

وردم الفجوات التي خلفتها

أسفار الليل

وبعد صرختين أو عشر نوقظ الموتى

من أجداثهم

أنزل

بين جثث العمال الآسيويين المشبوحين

في السلالم

والقطط التي تعبت من النواح والمضاجعة

القي نظرة على الشطوط التي كانت

ممتدة

إلى الجبال

وإلى حديقة جارنا المكسيكي بالدور الأرضي.

الذي استطاع أن يخلق في رئة الصحراء حديقة، تغني فيها

عصافيرٌ وتسقعُ ديكة.

كلّ صباح أقف أمامها، مستحضرا

روح أسلافه، المايا الأزتيك

قبل أن تداهمهم فيالق القتلة.

ربما القتلة أنفسهم علّموا هذا الطباخ

العجوز: كيف يصنع بقفر حديقة.

الجندي الذي رأى الطائر في نومه

عليّ أن أبعثر الجهات والمرايا

كرجلٍ ينهض من نومه

بطيئاً متكاسلاً

الجهات التي تطوّقني بألسنه اللهب

فلا أستطيع الوقوف

متعثراً بصخور البارحة

ووجوه تتقاطر في نومي، برؤوس مقطوعة

وقامات مديدة تشبه النخل الذي خلّفه أبي

تشبه المغيب الناضج كثمرة.

عليّ أن أبعثر الجهات جميعها

كي أستطيع أن أتبيّنكِ

قطرة في ظلام الصحراء

وهذه الحشود التي تحصد رأسي

بمناجلها المثلّمة.

أن أتبين الضوء القليل الراشح في ليل القوافل

ذؤابة الحقل الدامي

وهذا الخلاء الطافح بالأشباح والبداة

وزئير الحيوانات المنقرضة

أن أتبينك، ربما في آخر محطة لقطار ودّعتك فيها،

من آخر مدينة للأقوام الثاوية في نومي.

تشيرين إلى البعيد.

باليد الهائمة في الهواء

تمتمة الشفاه التي تشبه الثمرة الناضجة

في المغيب

حركة الأصابع المثنية في وحشة الجسد.

عليّ أن أبعثر أشلاء اللحظة

وأسوق الجيوش إلى حتفها

كجندي يستعد يوم حربه

الجندي الذي رأى الطائر في نومه

فانتشله من بركة الدم

ومضى

كان يجري في حقول الظهيرة

في يده الطائر

على جسده زَرَدُ المعدن الثقيل

باحثاً عن مكان

عن سراب استراحة.

الجندي الذي رأيناه معا

على منعطف الطريق بين الشمال والجنوب

هو هو

أو يشبهه

كان يتحدث مع عمال القمامة

بستراتهم السميكة

لم يكن لابساً سترة المعدن بعد

بماذا كان يتحدث ويحلم؟

بماذا كان يومئ إلى رفاق الحانة؟

كان ليل ينكسر على رؤوسنا

كانت مدينة

بشرية كاملة من النمل تسرح في جروفه

النمل الذي بنى عرشه على الأرض

وليس على الماء

لم يكن لدينا بيت، باحثين عن مستقر

بين جبال ومدن وقرى

ضربها الإعصار ذات مساء

كنا نرقب طلائعه البهية

من شرفة تهتز عمارتها

رأيتها البارحة في نومي

لكن بصورة أكثر قتامة وذعرا

ورأيت أني ذاهب إلى نفق أبحث

عن محفظتي التي نسيتها في المقهى

كان الإعصار يلتهم كلّ شيء

كان يتلوّى كمن يفترس نفسه

بعذوبة

موجة هائلة من الزّبد والجنون

معراج قيامة،

قبلها أضاء المكان

عبر بضع عواصف تائهة

ما لبث أن دفع بأثقالها نحو الأعلى

في هذه اللحظة

تذكرت طوفان نوح

تذكرت لوتريامون

تذكرت القبلة الأولى بعد الإعصار

تذكرت الجندي تائها بين الصحاري

في يده الطائر

على رأسه خوذة المعدن

يركض في الهاجرة

يطارده شبح الأعداء

تطارده الظلال والثكنات

لم تكن الحرب التي كسرته

وليس الأعداء الذين سكنوا تحت ضلعه طويلا

بجوار قلبه المرتجف،

كان الطائر وهو يرفس في بركة الدم

كان الإعصار وهو يلتهم الأعماق

كان القبر المفتوح كنهر من عظام

الهالكين

مضى بصحبة الطائر

في ليل وحدته

بعيداً عن الثكنة

بعيداً عن الجماعة.

قال: (يا ربي هؤلاء قومي وأنت أدرى بهم وأني

لبرئ من حربهم وسلامهم.. أيها الطائر امنحني

قطرة من ماء روحك، امنحني السكينة.)

كنا نبحث عن مستقر

وسط الضجيج والأزمات

وكان الطائر قبل وقوعه في بركة الدم

باحثاً هو الآخر

وسط عذوق النخيل المتمايل بفعل العواصف

في السحب الداكنة من غير مطر

وسط الأكمات

كان له فضاء

يذرع تخومه النجمية

جيئة وذهاباً

متنزهاً بين جنائنه ذات المخلوقات الأثيريّة

كأنما صنعت من قُبلات ملاك.

فجأة ضاق به الفضاء

ضاقت به أحلامه

سقط في بركة الدم

عوى كذئب

لكن لم تكن له روح ذئب

وما فائدتها في لجة المعدن الهائج

ما فائدة الروح؟

في الفضاء رأى حروباً أخرى

رأى ثكنات نسور وأوبئة

شاهد المجرات تمخر ليلها السرمدي

وتحتل مجرات أخرى

أو تبيدها كرماد تسفّه ريح

رأى العنقاء تحلق فوق المرتفعات

وعلى مناقيرها الجثث

لكنه لم يسقط

ظل متماسكاً

بقلبه وريش أحلامه البسيطة

لم يسقط في بحر السلاح الهادر.

كان ضوء الدوار الحارق

الذي سقط عليه من الأرض

وهي تدور في جعبة كواكب أخرى

ضوء حارق اقتلعه من الجهات كلها

طوّقه بألسنة اللهب

ذاك القادم من جرح البشر السحيق

دار حول نفسه كثيراً

حلق في دروب جمجمته الصغيرة

وكأنما في دروب مجرات

تلك التي رآها في نومه.

ماذا يستطيع أن يتذكر؟

ربما رأى طيوراً أو حيوانات تسبح

في الضوء نفسه

والتي كانت أمه على مقربة من غدير أو مقصلة، كانت ذابلة

وهزيلة، كانت رفات عظام

شاهد اضمحلال الأمكنة

غارقة في سديم الوجوه

قال، هذا قدري.

قاتل عنقاء أيامه

قاتلها بمخالب نسر

سكنته روحها

سكنته زعقة الذئب.

كان القتلة يصطادون الفراشات

في الحديقة المجاورة

الضياء الناعس يغمر الممرات والوجوه

الضياء القادم من سماء مُتْرفة.

كان القناصة على رؤوس العمائر والأشجار

طار كفراشة وليدة

حلق كزهرة شمس

طاردته السهام والبنادق

أصابت جناحه الأيسر

( كان ذلك أول جرح في حياته بعد الولادة)

***

كان الطائر رسول الروح الهاربة من الأسر

كان الجندي رسول حرب

التقيا على منعطف القلب

على مُنْقَلب الصُدفة

طائر جريح وجندي مهزوم

لا لم يكن مهزوماً ولا منتصراً

كان الضمير الخبئ لحروب البشر والآلهة

النغمة الشاردة لناي مكسور

حمل ارثها من بابل وفرعون حتى عصور الذرّة

كما تحمل السحب أثقالها في الأزمنة

والمحيطات

حمل سرّ الأمانة.

***

كان النيل يجري

حاملاً الأبدية في خَرْجه

وكان دجلة والفرات

يوم لم يكن أنهارٌ على الأرض

لم تكن حضارات

الجفاف المُطْبق على العالم

والخنجر في الوريد.

كان دجلة والفرات

يحملان الزمن كأيقونة

كان بَرَدَى

كان النيل

كان الحوار الأكثر ترفاً في الظلام

وفي الأنوار الضاجة بالقرابين والآلهة

كانت الآلهة والملوك

كان الشعراء والكهنة الأكثر قدما من الآلهة

المواكب تمضي بالجنائز والمجد

الآلهات يتحمّمن في بحيرات الورد

يحلمن بالفتوحات.

كانت الأنهار في صمتها

الأكثر هديراً من آلهة الجند

الولائم تسفح تحت الأقدام

اهرامات لا مرئية من الدم

المواكب تمضي

الغيمة ترحل عبر النهر

ينشق عن قمرها

طائر وجندي

يرحلان عبر الأزمنة والمفازات.

***

تقدما في مشهد الحقيقة والأحلام

أشرفا على عاد وثمود

شاهدا الربع الخالي

مظلة أوهام نحيلة

في مخيّلة بدو رُحّل

حتى أضاءت الشمس عرصاته الكثيرة

فأطبق على رقبة العالم بقدم العملاق

التائه بين القارات

وتحت مظلته الرملية الضخمة

تمور جنان الأقوام البائدة

يمكن للكاميرا المحمولة على متن قاذفة نووية توشك على الانفجار يتبعها سربٌ من النوارس تخفق أجنحتها وتصيح – ليس صياح حزن وفجيعة من فرط ما اعتادت المشهد وأدمنته بل صياح عادي وربما بهيج – ان تتبع آثار أقدام لبداة تائهين مع جمالهم ومواشيهم حتى تصل إلى المنطقة الأكثر خطورة في صحاري العالم، منطقة ((عروق الشيبة)) فيغرقون في بحر الرمال الهائج للصحراء

((ولقد حلمت بعروق الشيبة، فبدت لي أكثر ارتفاعاً من جبال الهملايا(…) انحدر الرمل إلى منبسط ملحي في غور آخر كبير وفارغ بين الجبال الجرداء. كانت السلسلة في الجانب البعيد تبدو أعلى من التي نقف عليها. أحلت بصري باحثا بالغزيرة عن مهرب ما. وعند نهاية الأفق عندما اتحدت الرمال بالسماء لم أشاهد مخلوقاً في ذلك الفضاء اللامتناهي ولا حتى نباتاً يابساً يعطيني شيئاً من الأمل، فقلت في نفسي أننا لن نستطيع العودة .. لقد انتهينا فعلا(1).))

* * *

وتحت مظلته الرملية تمور جنان الأقوام البائدة. ((كانت مزدانة بالدر واللآلي الحمراء والبيضاء. كان لها بابان من الذهب بين مصراعي كل باب مسيرة خمسمائة عام. وقصورها وأنهارها الرحيقية أكثر من عدد النجوم وبناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب وأبوابها من الجوهر وحصاؤها اللؤلؤ وماؤها أحلى من اللبن وأحلى من العسل(2))

***

سمعا صهيل خيلٍ ونباح كلاب

جلجلة تنسحق أمامها الحواس

والأبصار تغشى تحت وقع النبال التي تنهار أمامها

القلاع:

كانت البسوس تعد القتلى على أنغام النجوم

شمطاء استعادت فتنة الشباب في لهب الدماء المُراقةْ

شاهدا داحس والغبراء

شاهدا نجمة المساء تنكفئ على جبهة الفرسان

دماء تسيل بسخاء في مجد الظهيرة

***

رأى جوارح تجثم على قبر مفتوح

قال: هؤلاء قومي

ضاربين أكباد الابل

من كلّ فجّ عميق

من الجروف النازفة عبر الأودية

هؤلاء رعاياك

حفاة عراة

لم يعد يتطاولون في البنيان

لم يعد يشيدون مدناً في الفراغ

لم يعد يخترعون القنابل النيترونيّة

صاروا أضغاث أحلام

فردة حذاء،

على قارعة الطريق.

وجوههم تفترّ عن تكشيرة ثكلى

أرسلوها ضحكة تنساب لإغراءك

من الأفواه التي لم تغادر مشافر البعير

بعير التكنولوجيا الرائج في الأسواق.

***

كان مشهد قابيل وهابيل يراوده عن نفسه يضغط عليه،يخنقه بحبل خفي، كلما خطا خطوة نحو شجار أو شاهد آخرين في حومته، هو الذي درس القرآن باكراً في أسحار القرية وضحاها، حيث تدور معارك الصبية من حوائر مختلفة. ذات مرة كان راجعاً من الكتّاب، وشاهد اخوته في معركة مع أخواله، بالعصى والخناجر ومن ثم البنادق أردت بعضهم صرعى.. كانت الهاجرة في أوجها غمغمة حشرات الصيف تضفي على الجو أزيزاً يجعل الحياة تتحرك في مجمرة بركان خامد تحيطه الجبال والأصداء المتواترة لطيور القطا والواويات والذئاب.

يستحضر مشهد قابيل وهابيل. ربما صرع أخاه في طقس يشبه هذا. ربما الصخرة الحادة، أداة الجريمة نفسها الجبال المتاخمة بعد أن كبرت مع الاحقاب وتغذت من غزارة الضحية وبذخ الأدوات.

***

النورس المتخبط في الدم والمياه

يحمله الحجر المسنّن من موجةٍ

إلى أخرى

مثخناً بالضفاف والجراح

كان جسداً نازفاً وأنيناً

كان أنيناً محضاً

أتذكر الصبية الملتمّين بفرح

أتذكر اللّعاب والشبق

في الوجوه.

الطفولة الجميلة

الطفولة الماثلة

كصخرة قابيل.

***

مشهد لكسوف الشمس: يبدو فيه ظلّ القمر المريع، يهيمن على العالم بنفوذ مطبق، القمر الأعمى الذي كان يستجدي نوره من نجمة الشمس.. وترد إشارات إلى ديمومة الكسوف كعلامة قيامة محتملة. يقوم بهذه الإشارات فريق من الجنرالات والعميان والفلكيين في غمرة هذيان جماعي محموم.

***

حين رأى الدم لأول مرة

وبعيون المخيّلة التي لا تخطئ

حسبه مياهاً حمراء

من فرط ما كان يتدفق من النوافذ والعروق

حنفية السماء المفتوحة على مصراعيها

قال: هذه ينابيع الأسلاف آتية

من مساربهم الخفية

وعودهم وأحلامهم

وهذه شهقتهم الأخيرة.

***

صياح ديكة بفجر شتائي، ينحسر تدريجياً أو لا وجود له على خارطة الأرض التي تحتلها الهذيانات المحتدمة دائماً للعميان والجنرالات والعلماء والدراويش الذين أقاموا من كل جهات الأرض مرددين نشيدهم الأثير:

هؤلاء رعاياك

حفاة رعاة

لم يعد يتطاولون في البنيان

لم يعد يشيدون مدنا في الفراغ

لم يعد يخترعون القنابل النيترونيّة

امنحهم فردة حذاء

من رحمتك.

***

غائمٌ رأسي هذا الصباح

أحسبه رؤوساً كثيرة

بعدد المارّة والنجوم

تتدافع فيه الأفكار بالمناكب

كجنائز يحملها الرجال

إلى مأواها الأخير.

***

في الوادي

حيث يتبع الجندي خيط طفولته

سقطت في حناياه أول نظرة عتاب

بين الضبع والساحر

بين الباشق والصحراء

يومها ظن، أن الأبدية تسكن روح

حيوان جارح

***

اكفهرّت النسور

نأت بأجنحتها عن النبع

حلقت على مقربة من العذراء النائمة

بين الأشجار

لم تزعجها في نومها

كان رفيف الأجنحة يشبه مراوح

آسيوية ناعمة

واصلت التحليق

حتى بلغت تقاطع البحر مع الصحراء

هناك

غرقت في لجة السّراب.

***

بنت الغربان أعشاشها

في دماغي

من كثرة ما حدّقتُ في الأفق

من فرط ما ترنّحت تحت الشجرة

شجرة الميموزا المأهولة بالسحرة والأشباح.

من فرطها ما طوّحت بي الأمواج.

كل ليلة على شاطئ

وكل شاطئ بلا أفق

أكدّس أيامي

في الأدراج والمرايا التي شاخت

من كثرة تحديقي بأعماقها

لأنها لم تكن نظرات حياة

كانت نظرات موت وحيرة

أسمعها

تنادي وجوهها الغائبة

أن تؤنس وحشتها

لكنها الريح وحدها

تخبط الأبواب في الخارج.

***

انفصل عمن أحب

وأنا في ذروة هذا الحب

في ذروة اشتباكي بالبحار والمدن والأصدقاء

بالنهد والحديقة

والمقهى

بالفرج الذي ينبت على حوافه عشب الخلود.

لأن الغياب الذي سيحتل المكان بقفزة نمر

والذي يصحبنا على هيئة الملاك الحارس

جلاد اللحظة

ناطور الثكنات،

أحاول ترويضه بإجتراحه

بالإقامة في حناياه

الغياب الذي لا يقيم.

***

لم أمضِ

في طريق ضوء ولا ظلمة

ولا جهل أو معرفة

لم أمض في طريق

وحدها القدم

قادتني إلى خارج الثكنة.

***

وصل الجندي إلى مشارف المدينة

أو ما تبقى منها

مسح دموعه

هذه أول مرة يبكي

كانت العيون تنهمر في الداخل.

قال: هذه مدينتي

مدينة أجدادي

عرفها من الأبراج والمقابر

من ساعة الحائط في ميدان الشهداء

رغم غمامة الدمع الذي لا يتوقف

عرفها

ظلّ على مشارفها

منتظراً الدليل الذي سيقوده إلى الداخل.

***

كنت قبل قليل سأكتب

عن الفجر الذابل والقمر الذي يثير الرعب أوالشفقة

في هذه الأراضي القصية

عن شرفة في الجحيم

تبدو فيها النجوم أطيافاً لموتي قادمين

لكن روح الطائر التي حلقت أمامي

وكأنما روح النعمة تنشر حفيفها على الأشجار

والأكمات

لكن قراءتي للبسطامي

(حدّاد نفسه ومرآتها)

لكنني

أولاً وأخيراً

تذكرتك

وأنت تصنعين القهوة في الصباح

***

يا لفتنة الصباح

لأول مرة يطلع هذا الصباح

بسفنه الجانحة في الضباب

روح نسيم يطوّق جسدي

والعذوبة تلفح أعماقي

بمطرٍ قديم.

أستطيع الآن أن أتبينك

وسط حشودي وعزلتي،

ربما لأول مرة في محطة القطار

بين الشمال والجنوب

سارحاً بفيالقه في الظلمة

معبأً بالأوهام والجثث

قطار الشرق

الذي نعرفه جيداً.

كان عليّ أن أكتب في مديح خصركِ

المتلاشي

في الأماسي الناعسة على الضّفاف

أن أصف أيامنا الجميلة

كان عليّ أن أكتب

عن الصباحات التي تسيل على الوجنتين

عن الخلاخيل الفضية والرؤى والأساور

اكسسواراتك المفضلة

عن الموت الذي شيد أبراجه عالياً

من اللمسة الحانية

والرغبة المحتدمة بين عشيقين.

لكن الجندي استلني من أحشائك

رغم أن أذني بقيت لصق فوهتك

الهائلة

مصغية لأنين القادمين من أغوارها العميقة

أستطيع الآن أن أتبيّنك:

صورتك المعلقة على الجدار

فرشاة الأسنان والأمشاط

المشتركة

أشياؤك المبعثرة في جنبات

الغرفة

طيورك الصّاخبة تحلق فوق

رأسي طوال الليل

والموجة التي تغمر الفراش

بالزّبد والأنين.

الهوامش:

1                   – ما بين مزدوجات من “الرمال العربية ” لـ(ولفريد ثيسجر)

2                   – هذا الوصف ورد في كتاب “الجُنّة في وصف الجنّة” ويمكن لهذا المقطع أن يتبادل المكان مع سابقه كما ينطبق على مقاطع أخرى