جفاف
اندلقت مياهُ العالم
في جوفي
فشربتها دمعةً.. دمعةً
ومضيت.
المياه البعيدة
في المرايا الداكنة لمياهٍ بعيدةٍ
يحلقّ طيرُ الرغبة خلف أفقٍ مسدود
الوجوه المشطورةُ بنعيق السنوات
المدنُ اللاهثةُ على حافة نومك
العرباتُ النابحةُ خلف الأسوار،
كأنما جئت إلى سفرٍ قبل الولادة
تمضي وراء جنّازٍٍ كبيرٍ من الذكريات
بقميصٍ ملوثٍ بدم المسافة.
الجِمالُ فقدتْ ذاكرتها
وتاهت في الأزقة،
والسلالاتُ الراحلةُ عبر الصحراء
غَرقتْ بكامِلها في الرمل
تمضي بخطوةٍ وحيدة
تاركا لكل مكانٍ جُرحَه الخاص،
ولكل منارةٍ زنّاراً من الصرخات.
وبجسدٍ مضرّجٍٍ بالرحيل،
استوقفك القادمون من المياه البعيدة،
لترى خطيئَتكَ الهاربة.
متحفُُ مِنْ ظِلال
طيور بيضاء تعبر الأنهار الكبيرة،
في الليالي الأكثر وحشة من أرامل الحرب.
جُسورُ وأشجارُ مغمضة تتنزه
مع العابرين،
وكأنما في متحف من ظلال.
ومن البعيد ترى أشباحهم، تترنح
وسط القناني الفارغة
لبلاهة النهار.
تعرفهم واحداً.. واحداً
كلعنةٍ لا شفاء منها،
كأمجادٍ لا اسم لها.
لقد جاءوا من البيت المجاور لأحلامك،
باحثين عن صدرٍ أكثر رأفةَ من المعرفة
وفي الظلال الكبيرة لفجرٍ مدلهم،
يغيبُ الجميعُ
عدا ضحكة واحدة
بداية صباح ما..
ضوء يتكسرُ على ظهر الحانات
ضوء قادم من حيزوم سفينةٍ تغرق،
وأخرى نائمة في الأفق..
يمشي خجلا نشيطاً بعض الشيء،
يقتفي صراخ الباعة والشحاذين
والسكارى.
في الأسِّرة الأشد ريبةً
من أعمارنا،
يتسلل الضوء، حارس المدينة
ويغمر الممرات بالنجوم
يترك قبلته اليتيمة في الكأس
الأول
من هذا الصباح
ويسافر.
بورتريه لـ((سرور))
لن يعود اليوم حطابوك ورعيانك
من الجبال،
ولن يعود الغجر حاملين فوانيسهم
على امتداد الهضاب،
وكذلك صائدُ الوعول وعرّاف المياه
لن يعودوا إلى بيوتهم هذا المساء،
فالسيولُ الكسارة سدّت
منافذك الوحيدة
والبروق، بحيواناتها الجائعة تقصفُ الطرقات.
لكن وخلف التلال القريبة، ألمح الفؤوس
تلمع في ليلك الكثيف
وأشتم بخور السحرة.
هل أبحث عن نيرانٍ أخرى لحكمة الأجداد،
وأرحل الى أسواق بيع ((المغيبين؟))
أم أرجع الى مسجد الوادي
أحضر قربان الجمعة؟
قهوة الصباح
في الصباح المبكر
والنوم ما زال أفقاً مكتنزاً بالمرايا،
تمشي خطوتين، متعثراً بأحلامك..
أحلام أنيقة عن مذابح
عن نساءٍ بعيدات.
السرير، وحيد ومأهول بالريح
(من أي نجد أتيت
هذا الصباح، أيتها الريح؟)
خطوة ثالثة تصلك بالمريخ
بعد أن تكون قد أفرغت النافذة
من البكاء.
تجلس أمام الموقد بكف أصفر.
الحيطان تبلع ريقها الجاف،
الشمس تتسلل بين الشقوقِ
ذئبة وديعة
والركوة تغلي، مثل مدينة يتشردّ
سكانها في رأسك
متسكع لا يحلم بشيء
وكالموجة التي تنشبُ أظافرها
في جسد الإعصار،
دخلت تيه هذا العالم
قاذفاً بذخيرة الأيام في قعر جهنم
شاحذا أعضائي بشفرة صُنعت
من غياب.
وكطفل يلعب دائماً بخسارة،
لم أنتظر شيئا كثيرا من أشباهي
لم أنتظر أي شيء
عدا ضجيج النوافذ والأبواب
تنفتح وتنغلقُ جانب رأسي
ببراءة العواصف الراحلة من غير اتجاه.
لكني موجود وغير موجود
أعرف أني مكللُ بالفراغ،
سيرة لا تنقصها التفاصيل
المضاءة بفوانيس السحرة،
وعليك أن تحفر في قلبها
بمحراث كي تسكب
دمعةَ واحدةَ
أو تحصل على اعتراف.
عليك أن تتبع قمر الرحيل الممتد
من الماء إلى اليابسة، ومن اليابسة
إلى القبر،
كي تلمح شبحاً في كهف.
جنيّ يرتجف خوفاً من الله،
وينام على فخذ
الشيطان.
لكني موجود.. ربما
أنا الآن في مقهى
أرقب العالم من وراء الزجاج،
صفرة المغيب.
بقايا صداع من رحلة الأمس،
سأطفئه برحلة اليوم
ولا ألوي على شيء
لتقذف الأنهار نفايات مدنها
في البحر
ويبصق المتشردون على أضرحة القديسين
والجنود يحلقون رؤوس ثكناتهم،
وليحلّق النسر عالياً أو منخفضا
هكذا .. فقط.
من غير ضرورة أن نتحدث
عن صلة المصبّ بالنبع
أو عن القرية الهاذية تحت
ضلع الطوفان،
والأماسي الجميلة لشعراء
يحلمون بالانتحار عبر قاربٍ
يغرب ببطء في سديم
المياه
أو عبر بلطةٍ تنزل فجأة وبدون رحمة.
عليك أن تبيع أمتعة بيتك،
لتحصل على قهوة الصباح.
[أي بيتٍ كان عندك؟] عدا حذاء ممزق يفركش ليل
المدن
وأسمالٍ ورثتها من صديقك الميت
تذكر [وهل يمكنك أن تنسى؟] كيف كنت ملاحقاً بفزاعة الفقر والفريسيينّ وبنات آوى
في القاهرة ودمشق. في بيروت
والجزائر وصوفيا وباريس.. الخ
تذكر كل شيء بسطوع الولادة
بوضوح السرطان المتجول بين
الأنهار كسائح مأخوذ بمضارب
البدو.
أيتها الأم النائمة على الأسمنت
العاري
بين ركام الخيش والملابس المبعثرة
كشواهد قرية.
سحلتها الصواعق.
لم يعد ثمة حقلُ لنظراتك الملأى
بالتوقعّات
لم نعد نصغي لصياح الديكة
أو نجلب السمك من الساحل
لم يعد ثمة فجر تلعبين بريشه
على حافّة البئرِ
البئر الذي ودعتني منه لأول
مرة منذ سبعة عشر عاما
[لا تغبْ عنا كثيراً] خطوة واحدة فجرت فلك
الأميال،
واسترسلت في هذيان المجرّات.
وصول
عندما أسافر الى بلد
تسبقني إليه الإشاعات
فأنتشي،
مثل ذئب تسبقه أحلامه نحو الفريسة
ولا أصل!
رنين
إلى عبدالله الريامي
في هذه اللحظة بالذات
يستيقظ الليل بقوائمه الكبيرة،
ويسند إليّ مهمة إزعاج النيام.
في هذه اللحظة يعجن سراق المسافات..
يعجنون المدن والدروب والأصدقاء،
فيسقط في رأسي خاتم الذكرى
كنجمةٍ في بئر لا قعر له، حيث
أستيقظ على رنينها بعد قرون.
خطوات
أمشي أحس أن تحت قدمي
سماء تضطرب بكامل ضحاياها
وفوق رأسي أرض توقفت عن
الدوران،
أسمع رعد خطواتٍ ورائي
خطوات أشخاص قادمين
من الماضي
صامتين كأنما على رؤوسهم
الطير.
أيها الماضي تراجع قليلاً
كي نكمل نزهة اليوم.
حب
إلى شمس
وجهك المليء بالنعاس والضجر
من هذا العالم،
وجهكِ الذي يشبه توتر طائر
مأخوذ فوق بحيرة، أطل منها
على هاوية حبي، فأرى
في عمق الغابة عينيك تضيئان
سني حياتي
فأبكي.
صباح مخطوف منذ البداية
أيها الأصدقاء الموزعون
في الجهات الخمس،
في هذا اليوم،
عليّ أن أفرغ رأسي
من شمسكم اللاهبة،
أن أوقف هذا الهجوم البربري
على حديقتي
لكن أية فائدة؟
صباح مخطوف منذ البداية
عمر مُصادر،
أصواتكم تحرق خرائب المدن،
بعبث الدوار اليومي
وتحرث أرخبيل السنين.
عليّ أن أبدأ.
أبدأ ماذا؟
بستان ((ديستويفسكي))
مع غيمةٍ شاحبةٍ يدخل ((راسكلنكوف))
غارهُ مدججاً بالعواصف.
بستان تنغل فيه الظلمةً،
حيث السكينُ تأخذ طريقها
بنعومةٍ إلى الأحشاء
رسالة وحيدة، ربما مات
صاحبها قبل يوم.
وسجاد تعبث فيه الحشرات،
يستجلي نجمة السلالاتِ
في كف عاهرة،
ويصغي إلى بكاء الروح تحت الأحذية.
هكذا.. أبداً طفولة تخنق أنفاسها
بضربة معول،
والغرفة صحراء المتعبّد.
إشتباك
الفجر ينصب متاريسه
أمام غرفتي
وأنا أعزل إلا من كلمات
تحلم بالخروج
سأكون وحيداً كالعادة في مواجهة
جيوش النمل والسلطعونات
وأنواع الطيور وهي تسبح بأفراسها
في الضوء.
وحيداً وأعزلا،
لكن قبل أن يبدأ الاشتباك
عليّ أن أشيد قلعةً
من عروق الأحياء
وأشحنها بالبارود
نافذة
ليس أمامك غير هذه النافذة
التي يطل منها الأطفال
نحو حربٍ جديدةٍ
غير هذا الأفق الذي يسقطُ
بين قدميك
مغمياً عليه
عودة
أعود أخيراً
بعد أن قايضتُ كل دموعي في الطرقات
ثمن رغيفٍ أو ذكرى
وبعد أن طفت المدن السبع
موزعاً، رسائل غرامٍ ساذجة
وايقوناتٍ سرقتها من الكنائس
لأعطيها للعميان
على كتفي كان وقر من قصص الجن
وصحراء باهرة، عواؤها يُسرج
القارات بنشيج لا ينقطع وجبال
تفتش فيها البومةُ عن ضالتها
على ضوء السرجان الموقدة
بدم الرعاة [أتذكّر
في طفولة ما.. كيف ضعت
في شعابها وكيف ناورت
الثعالبَ ونصبتُ شباكي
في غسق الفجر لأصطاد القطا] أخيرا أعود
بعد أن قايضت كل دموعي
في الطرقات،
ثمن رغيف أو ذكرى
يَبْزَغُ خوفي القديم
من هبوب الخطوة الأولى
من جلال الأمومة وبطش الأبوة،
مُلاحقاً بحشود الأقدام
والوجوه والمصائر
منذ عادٍ وحتى شفق الذّرةْ
سأحملها بمراياها الألف
مع أرصفتها وخياناتها وروعتها
حتى يسقط نيزكُ على رأسي
سأحمل الأرض ومنْ عليها
كليلةِ حبّ تهرب من كفي
وأعيش صباح يومٍ آخر.
بيتنا القديم
بما يشبه خطوة العابر
في وديان مؤثثةٍ بالمخاوف
وديانٍ لا استطيع لمسها
أو تذكّرها بسهولةٍ
بما يشبه تلك الخطوة الأولى
أدخل  بيتنا القديم، بيتنا المأهول
بخيولٍ ضامرةٍ يتجّول بين صهيلها
شبح الأجداد.
ينفتح المزلاج على هذا الفراغ المهجور
رائحة أسماكٍ مشوية
رائحة جازٍ منكفئٍ، فوق المدفئة
الفقيرة
الجرار ما تزال بمكانها تستنطق الزوايا
والمياه تغلي في المواقد
القطيعُ عاد من السرح عدا النعجة
التي أكلها الذئب
السروجُ والبنادقُ معلّقة على الجدران
وكأنها في مأتم
غداً عيد الأضحى
والأطفال نسوا شراء الجوارب
أو غسل أرجلهم قبل النوم،
غيوم بيضاء تزنّر سماء القرية
وتصحبُ المسافرين الى قراهم البعيدة
ونحن نسبح في مطر المهرجان حيث
الطيور برفقٍ، تنقر الهواء ليستيقظ
معنا على السطوح.
وحيث كنا نجفف التمور والأحلام
على الشرفات الطينية
ونسقط بين قوائم ثورٍ هائج
وهناك بقعٌ لشمسِ نحيلةٍ
تحتل المنزل بعصافيره ونسائه
وأشجاره الغابرة وتتخبط مثل
رعاةٍ بين الأنقاض
وخلفّ السياج الخارجيّ
ترى النخل، أرواحاً هائمة ترتطم بالمآذن
سفناً ترخي قلوعها
في بحارٍ سديمية
بين نعاسها وأحلامها الخضراء
يضمر المساءُ سهرته القادمة
جمّال
كلما أطلق جمّال حِداءه في نزوى
أو سعل حقلٌ في دمياط
يرتجُ لهما قلبُ المسافر في طنجة
أين أنتِ يا نجمة أعضائي الواهنة
غوايتي الأخيرة
في هذه الدجنَّة الباكية
مساء شاعر في مدينة
إلى قاسم حداد
سماء تهذي تحت طاولة الكتابة
قطط تموء في ضوءٍ شاحبٍ
وخلف النافذة قراصنة يحتلون
البلاد
قلاع تنهارُ على رؤوس القنّاصة
وأطفال يسرقون الخبز من فم الرُهبان
وفي جهة ما من هذا المشهد
ترتفع موسيقى جاز
وثيران تبحث عن مصارعين
قرية تغصّ بهلوسات الحوامل
وقبعة تطير من رأس
سيدة تنتظر القطار
نهاية
ها قد وصلنا إلى آخر الأرض،
مبعثرين أوراقنا في الريح
المسافر ينتحب تحت قدم الصحراء
والذكرياتُ طواها النسيان
حدث ذلك بفظاعةٍ تشبه
ولادة ديناصور في ساحل
مضروبٍ بالزلازل
ولا رجعة بعد اليوم.
صُدفة
في مقهى آخر وذات
سنةٍ اخرى
قهوة مركزة ستشربها مع امرأةٍ
تهبط فجأة من المخيّلة.
حقيبة تئن أمام المرآة تخرج
منها مذنبات
تحلق في جو المقهى
لا تلتفت كثيراً إلى المطر الراقص
كمهرّج حزينٍ
ففي رأسك تغور النساءُ
وكذلك الكواكب
لا تنتظر أحداً هذا المساء
لكن بالصدفة مر كاظم وشمويل
وعلي بن عاشور
حاملين كتباً ونبيذاً وحنيناً
حاملين الجهات الأكثر غموضاً من القدم النرجسية
وعما قليل تبدأ السهرة.
وتهتز المدينة
بيروت زمان
إلى حمزة عبود
يذوب المشهدُ في رأسك
كما يذوبُ السكر
بين شفاه
عذراء
خلّفها الطوفان
مازوشيه
تخلطين الصباحات مع بعضها
وتؤجلين النزهات
ربما لغدٍ لا يأتي
أنت القادمة من جهة مشطورةٍ
بالغضب
تخلعين خرابك فوق رأسي
وأجد ذلك عذباً
تجزيّن عُشبة الراعي وتطعمينها
لثعالب الريح
كلماتك التي تطارد فجراً في سهوبٍ
بعيدةٍ، في سهوبٍ مليئة بنعاس
الذئاب.
أنا الشديد الايمان بما تقولين
الشديد الكفر بما يقوله غيرك
أنا الأكثر عناداً من نابليون.
تسافرين إلى بلدان لم تصلها أوهام الطير
وتتركينني أفترس أرصفه العالم
بحثاً عن اشراقة لمسة.
اختلاط الجهات
يُغلق عينيه ويتذكر:
((كم أنت نقية وجميلة
لأنك لم تعودي موجودة، غبارالموت
عراك حتى من الروح))
ينزل السلم أكثر، تحرقه نسمة قادمة
من دمشق، يجلس على طاولة عشاءٍ
ربما بمدريد، مئات المدعوّين يسألون
عن أخباره، وعن طبيعة الطقس هناك.
بحارة يلعبون النرد في شواطئ زنجبار
ومن البعيد يرى شعوباً تتقاطر
عبر الصحراء، بحثاً عن رغيف
ويرى أمه ممددة على سرير أبيض.
طحالب سوداء وما يشبه نباح كلاب
يغلقُ عينيه
لا يتذكر شيئاً.
الكأس ما زال في يده،
ويتلاشى في مهب الجهات.
سيجارة بحار مُسّن
إلى بحار مجهول في العذيبة
يجلسُ على المصطبة
أمام بيته المصنوع من سعف النخيل
وعظام الأسماك
يحدّق في جروف بعيدة [بخياله لا بعينه] في يده سيجارةٌ واستكانة شاي
وخلف كلّ نَفَسٍ أو رشفةٍ
يسحبُ أرخبيلاً جامحاً من الجزر
وراء كل جزيرة
سرب لا يفنى من الذكريات
وراء كل نَفَسٍ
ساحل مهجور تنعق فيه الغربان
صورة (ابن ماجد)
روح صديق ترفرف فوق الصّاري
وراء كل نفس
رفُ دلافين
يحسبه سواحل
وراء كل نفس
قمر منطفئ، لكن رغم ذلك ظل
يضيء أشلاء المقذوفين
من البواخر
وأساطيل الحرب
وراء كل نفس
يشك الموج بسنارة أيامه
إذ تبرز يد من شرفةٍ مليئةٍ
بالضباب ، تلوح بالوداع.
تنتهي السيجارة
وما تزال في يده قطعة
نقدٍ نسيها ذات مرة
بحار من المكسيك
الصرخة
الصرخة الغائرة في أحشائي
كحيوانٍ مطمور في كهف، تتجوّل
بين النائمين مع جندها الغرباء،
وتجبرهم على المضي معها نحو
أقاصي مجهولةٍ،
هذه الصرخة القادمة من عهود
الفيضانات الكبرى، دليل أسفاري
الوحيد، امرأتي المدللة، أحياناً
أراها تخاتل الضباع في سريري
وتنام وديعةً بين ذراعيّ الهادئتين
بفعل المخدّر
وأحياناً تسقط فوق الذرى البعيدة
مُنتحبةً، مثل أرملة العصور.
لكن في هذه الليلة التي هجرتني فيها
أرى في الطرف الأقصى من الغابة
نمرةً جريحة ترمقني بإعجاب
مبارك الرحبي
أحاول أن أكتب عنك
لكن الدموع تسبقني إلى
نهايات الكلام
فأرتد مرتطماً بهدير كوكبٍ يهذي
بحنين أوديةٍ جافة
احاول أن أكتب لكنّ الدموع تسبقني
حاملة معها الجذور والمنافي
ولهاث الطرقات
أحاول أن أمتطي عربةً من أنين
الغرقى
كي أتبين شبحك البعيد.
كيف اخترقتكَ الأحلام
بغدر المسافة
ورحلت باكراً
كملاك بعينين جريحتين
كيف تركتنا على هذا النحو
جثة تحدّق فيها نسورٌ هرمةٌ
تحت شمسٍ خاوية
رياض الصالح الحسين
دائماً.. في غرفتك المكفهرةِ
بالتعب
تبحث عن ربوة الخيال
عن مشاجراتٍ جديدةٍ تحت المخدّة
عن ذكرى خبأنها “الفتيات” بين الجدائل.
الضيوف المزعجون يزورونك
في نعاسٍ عابر
ولا تستيقظ إلا بعد حقبةٍ من النوم،
في غرفتك الضيقة التي أعرفها جيداً،
لتبحث عن أشيائك الصغيرة.
يوسف الخال
أما زلت بهيئتك الأبوية
تقرأ صُحف الصباح
وتحاور الأصدقاء؟
مُيمماً وجهك شطر الغيب
حكاية تقصها عليك الرياحُ كل ليلةٍ
ولا تنضب.
وما بين (غزير) وباريس
كانت خطوتك الأخيرة
تتعثر بالتمائم
مسيحاً يحمل كابوس الأجيال
ويتحدّث
عن ما كان وما سيكون.
ماذا كان وماذا سيكون؟
خريف
وحيداً بين طيور الغابةِ
تبعثر ريش الخريف
وتحدّق في بُرك آسنةٍ
ترى فيها صورتك قبل
عشرة قرون جندياً على
نهر الأمازون أو
في معبدٍ بوذي بآسيا
جائعاً
لكنك تفكر:
أن مُديةً واحدةً لا تكفي
لذبح عصفور.