فؤاد نصر الله
سيف الرحبي شاعر متفرد في شعره وفي نثره وفي سيرته الذاتية .. فقد ولد في قرية نائية في عمان وكان حدود عالمه تلك الجبال الغرائبية المحيطة بذلك العالم الصغير (القرية) المحاصرة باخضرار أراضيه.
درس الرحبي في القرية والابتدائية في العاصمة (مسقط) ثم رحل الى عالم جديد (القاهرة) فدرس المتوسطة والثانوية والمرحلة الجامعية فيها.
فالتقطته الغربة قرابة العقود الثلاثة مع حداثة سنه. فعاش في ارتحال طويل متنقلا بين القاهرة وبيروت ودمشق والجزائر وبلغاريا ولندن وباريس والإمارات وأخيرا عاد إلى مسقط رأسه.
في هذا الحوار تتداعى أمام أعيننا تلك الحياة الحافلة بالاغتراب والشعر والكلمة.
مسقط- فؤاد نصر الله
مع الشاعر العماني سيف الرحبي:
كنا ننام على إيقاع الذئاب وبنات آوى
عشت في الجزائر وبلغاريا لأسباب شعرية!
المذياع كان محرما في طفولتي
كانت لدي نزعة غامضة نحو الرحيل والاكتشاف
لدي قصص خرافية مؤلمة مع الكتب وترحيلها .. وتلاشيها
الثلج كان في متناول أيدينا في بلغاريا
أصدرت حتى الآن (15) كتابا تتوزع بين الشعر والسرد والنقد
لم أكن أطرب للشعر السياسي الملتزم بأيدلوجيا معينة
·        في البداية نرجو أن تحدث القارئ عن مكان الميلاد؟
–   ولدت بقرية سرور في الداخل من عمان، تبعد سبعين كيلومترا عن العاصمة مسقط، وهي قرية تشبه قرى عمانية، كثيرة في هذا الداخل الحجري المهيب، محاطة بجبال عالية جدا وجرداء، جبال أسطورية، من فرط حضورها الغرائبي كأنما هي ليست واقعية.
في هذه البيئة الصخرية، وفي الجو القبلي، في الجو الديني، المحافظ والمتلزم نشأت النشأة الأولى. من أب وأم من قبيلتين مختلفتين، لكنهما من القرية نفسها (سرور).
في تلك الفترة كانت القرية خصبة جدا، عكس ما هي عليه الآن، وكانت المياه والأودية تنهمر باستمرار على مدار الساعة. عكس الجفاف الساحق الذي نشهده الآن كما كانت قريتنا عبارة عن غابة من النخيل، إلى جانب أصناف الأشجار الأخرى. كانت القرى العمانية في تلك الفترة مكتفية ذاتيا زراعيا واقتصاديا.
في ذلك المناخ نشأت نشأتي الأولى، وتلقيت تعليمي ودراستي القرآنية واللغوية.
الثقافة الأولى
·        إذا من رحم تلك الغابة الطبيعية نشأت، فكيف كانت الثقافة الأولى ومكتبة والدك؟
–   كانت مكتبة والدي تضم كتبا كلاسيكية في التراث والشعر والفقه، وكانت قراءتي لهذه المعارف منذ الطفولة زادا ثريا، إلى جانب المدرسة التي لم تكن عصرية في تلك الفترة، بل تعتمد على نظام الكتاتيب، لكن هذه الفترة هي المعين الأول للذاكرة والوجدان، واعتقد أنها أثرت في حياتي الثقافية والكتابية.
إيقاع الذئاب
·   في تلك البيئة الطبيعية الغرائبية صافحت عيناك تلك المناظر الخلابة التي وصفت. بماذا طبعت هذه البيئة مخيلة ذلك الفتى سيف الرحبي؟
– أستطيع الزعم بان هذه البيئة كانت حاسمة بحضورها في حياتي اللاحقة واقعيا ورمزيا، حيث ظلت تلك البيئة بجبالها وحيواتها البشرية والحيوانية ذات اثر عميق في النفس، ولا أزال أتذكر أننا كنا ننام على إيقاع أصوات الذئاب وبنات آوى. هذه البيئة البرية العجيبة مارست حضورها الساحق لاحقا على حياتي وعلى شعري، لذلك تأتي التجربة الكتابية لاحقا، وهي مليئة بمفرداتها بالبيئة؛ ولكنها ليست مقصورة على البيئة بحد ذاتها، بمعنى أنها ليست كتابة بيئية بقدر ما هي مفتوحة على مدارات مختلفة في الحياة.
كتب مهمة
·   ذكرت بأن مكتبة الوالد كانت تراثية في مجالات الأدب والفقه والثقافة. ما الكتب المهمة التي قرأتها في بداياتك، وهل عثرت في تلك المكتبة على كتب أجنبية مترجمة؟
–   في تلك المرحلة المبكرة من الطفولة، لم تكن هناك كتب حديثة، كانت المكتبة تضم كتب الفقه واللغة وكتب المعرفة الدينية والشعرية بالمعنى التقليدي تماما. فالوالد لم يكن على علاقة طيبة بتلك المعارف الحديثة، بل كان معاديا لأي معرفة خارج إطاره ووعيه التقليدي.
اما ما قرأت في تلك المرحلة فلا يتجاوز تلك الثقافة التي تكنزها تلك المكتبة مثل ألفية ابن مالك، وملحة الإعراب، وتحفة الأعيان في سيرة أهل عمان وغيرها من كتب التراث في الفقه والشعر. تلك الكتب كانت هي الحاضرة الموجودة في تلك الفترة، ولا شيء يعكر صفاء فطرية بيئتنا، لدرجة أن والدي إذا سمع صوت مذياع يبعث بعض الخدم لإسكاته، فقد كان مثل ذلك ممنوعا ومحرما في تلك المرحلة.
·        إذا كان الوالد معاديا جميع وسائل الحياة الحديثة؟
–   تماما والتكنولوجيا، وأتذكر انه في ذات يوم أحضر أحد أبناء القرية مذياعا صغيرا إلى البيت، فقام بتحطيمه على جذع نخلة.
الانتقال إلى العاصمة
·        ماذا عن دراستك فيما بعد مرحلة القرية؟
–   بعد الانتقال من القرية حيث المدرسة بمعناها التقليدي إلى العاصمة مسقط التحقت بالمدرسة السعيدية، وهي مدرسة تدرس فيها العلوم الحديثة، وأنهيت الابتدائية، ثم انتقلت إلى القاهرة، فدرست هناك الإعدادية والثانوية وكذلك المرحلة الجامعية. وهذه الفترة (القاهرة) هي المرحلة الحيوية.
فترة القاهرة
·        لماذا القاهرة بالتحديد؟
–   كانت المدارس في تلك الفترة تحت التأسيس، وكان لدي نزعة غامضة نحو الرحيل والاكتشاف، والانفصال عن عمان إلى آفق آخر، فكانت الصدفة أن ارحل إلى القاهرة وأبقى هناك سنوات طويلة، لأتكون معرفيا ووجدانيا وحداثيا وسياسيا؟
·   حدثنا عن هذه الفترة، وهي بالتأكيد مرحلة مهمة، ونقلة كبرى تشبه الانتقال من عاصمة عربية إلى نيويورك في الأزمنة السابقة
–         اعتقد أن الوصف بهذا السياق صحيح، فالقاهرة بالنسبة لمسقط في ذلك الوقت مثل نيويورك.
انتقلت في تلك المرحلة المبكرة إلى القاهرة فكانت بالنسبة لي افقا مختلفا مكانا ومعرفة وبشرا، انتقال من تلك البيئة المغلقة والمحافظة بدرجة كبيرة جدا إلى بيئة منفتحة، بيئة اتصلت بالعصر الحديث منذ قرن تقريبا آنذاك، لذلك اعتبرها محطة ولادية أخرى بالنسبة لي بعد الولادة الأولى في قرية (سرور).
هناك بدأ التكوين الجديد على الصعيد السياسي كانت القاهرة تعيش خضما من الاتجاهات السياسية اليمينية واليسارية، فالرئيس جمال عبدالناصر كان قد رحل قبل شهور قليلة، وأتذكر أن القاهرة كانت مفعمة بصورة الزعيم الراحل بخطاباته وشخصيته الكاريزمية المهيمنة على كل شيء وكان الرئيس انور السادات قد تسلم الرئاسة، لكن الوضع لم يستقر بعد، كانت فترة مفصلية على أصعدة مختلفة.
هناك بدأت الاحتكاك بالوضع السياسي والفكري، كما بدأت القراءة الشعرية الحديثة مثل بدر شاكر السياب، وصلاح عبدالصبور، وامل دنقل وغيرهم، والتعرف على أصدقاء من الشعراء وأحلامهم الجديدة. وهناك عرفت الحب الأول الذي يتشكل في المراهقة وحيث الاندفاع العاطفي الجياش. هناك اعتبرها، مرحلة جديدة على الصعيد الوجداني والمكاني والجسدي والمعرفي.
الصراعات السياسية
·        هل كنت طرفا في الصراعات السياسية والاتجاهات الفكرية المتعددة هناك؟
–   بالتأكيد، فقد كانت الموجة السياسية العارمة للشباب هي الموجة اليسارية بمختلف اتجاهاتها الناصرية، القومية الماركسية، وكنا نحن القادمين من وعي صحراوي (طازج) مشدوهين بذلك ومن الطبيعي أن نكون جزءا من ذلك الصراع يحدونا الأمل للاندفاع نحو إطار جديد مختلف. ولم تكن المسألة تتعلق بقناعة فكرية وسياسية، ولكن كاندفاع عاطفي ونوع من فضول الاكتشاف لهذه الأفكار والاتجاهات والسلوكيات التي لم نعرفها في بلدنا، فكنا في هذا السياق القومي اليساري الوطني الثائر دون وعي كاف، فتلك المرحلة كانت مرحلة عاطفية ومراهقة سياسية وجنسية، لكنها كانت حيوية وجياشة بهذا المعنى.
التشكيل الشعري
·        ماذا عن التشكيل الشعري هناك، وكيف انطلقت الشرارة الشعرية الأولى في وجدان الشاعر سيف الرحبي؟
–   بما أنني نشأت في بيئة بالغة التقليدية في عمان، فمن الطبيعي أن تكون بدايتي تقليدية، فبدأت اكتب الشعر بالمعنى التقليدي فكتبت الشعر الموزون والمقفى والملتزم حرفيا بالنصية التقليدية لمفهوم الشعر. لكن هذه المسألة انكسرت بعد تفتحي على أفق جديد بالقاهرة لصالح كتابة مختلفة، فبموازاة الاندفاعات السياسية والفكرية المراهقة والعنيفة كانت محاولات القراءة الأدبية. ذلك الجو السياسي العارم في المناخ الطلابي لم يكن يولي الأدب والثقافة أهمية كبيرة، كانت تبتلعه السياسة بمعناها السطحي والعاطفي، فلا يبقى إلا الهامش القليل أو الظل البعيد الشاحب للأدب والشعر، لكن في تلك الفترة بدأت قراءة الشعر الجديد للشعراء الرواد في مصر والعالم العربي.
وكانت البداية محاولات شعرية خجولة، والتي تتبع نظام التفعيلة والتحرر من الإيقاعات المسبقة، بدايات مرتبكة لكنها كانت تطمح إلى أن تستوي إلى أن تكون شيئا.
في مرحلة السبعينيات كانت مرحلة التكوين باتجاه الأفق الآخر المختلف. وفي أواخر السبعينيات بدأت النشر كقصائد ثم كدواوين شعرية.
في عام 1979م انتقلت من القاهرة إلى سوريا ولبنان وعشت في هذين البلدين فترة زمنية ليست قصيرة.
في دمشق وبيروت
·        كيف تفاعلت مع البيئة الجديدة وهي بيئة كانت وما زالت تزخر بالحركة الفكرية والثقافية “دمشق وبيروت”؟
–   في هذه المرحلة من وأواخر السبعينيات بعد أن انتقلت من القاهرة باتجاه دمشق وبيروت، وعشت أيضا فترة بالجزائر وبلغاريا، في إطار هذه المرحلة المكانية والزمانية كان الهاجس السياسي خف كثيرا في توجهاتي، وصار الهاجس الأدبي والإبداعي أكثر غلبة وحضورا في قراءتي وكتابتي وتوجهاتي.
–   هذه المرحلة كانت أكثر تكثيفا على الصعيد الأدبي، إذا كانت القاهرة مرحلة التكوين الأول والأساسي والحاسم بهذا المنحى، فمرحلة دمشق وبيروت كانت الأكثر كثافة وتحديدا للخيار الأدبي والإبداع. فهناك أصدرت ديواني الأول، الذي كتب أواخر السبعينيات ولكني أصدرته في دمشق سنة 1980م وهو بعنوان «نورسة الجنون» ثم أصدرت عام 1981 تجربة شعرية قصصية بعنوان «الجبل الأخضر» وهكذا توالت الكتب. كما كنت أمارس العمل الصحفي في المجال الثقافي فقد كنت مراسلا لأكثر من جريدة في الخليج.
قبل الغزو الصهيوني
·        كيف كانت الأجواء الثقافية قبل الغزو الصهيوني لبيروت؟
–   كان الجو الثقافي في يروت قبل الغزو الاسرائيلي محتدما بتيارات سياسية ثرية، فقد كانت بيروت تشكل المختبر الثقافي العربي في تلك المرحلة، وذلك بأجوائها السجالية والديمقراطية.
كانت تلك المرحلة بالنسبة لي مرحلة حيوية على صعيد النتاج الكتابي.
·        كيف كان تفاعلك مع الحركة الشعرية في هذه البيئة الجديدة، والتي تعتبر مدرسة مختلفة عن المدرسة في مصر؟
–   هناك كانت الحركة الشعرية سواء في لبنان أو سورية أو العالم العربي بصورة عامة نشطة، والكتب تصب في بيروت من أنحاء العالم العربي والتفاعل على أشده. كانت هناك ولادة حركة شعرية جديدة، لا أقول على أنقاض ولكن استمرارا تطوريا وتفاعليا مع حركة الرواد. كان الرواد المؤسسون للحركة الشعرية الحديثة حاضرين بنتاجهم وأشخاصهم وكتاباتهم ومنابرهم الثقافية، المتعددة، لكن تلك المرحلة، والتي بدأت من قبل، بدأ يتولد عنها جيل شعري جديد، جيل يحمل نوعا من اختلاف الرؤية والأسلوب. وقد كنت ضمن هذا النسيج، نسيج الجيل الشعري الجديد، وقد اتخذ هذا الجيل لغة شعرية ورؤيوية مختلفة أصبحت سمات مرحلة شعرية. هناك تفاوت واختلاف ضمن أسلوب واحد تفرع من النسيج نفسه.
الجانب السياسي
·   أنت تتحدث عن فترة شديدة الخصوبة على الصعيد السياسي في كل من بيروت ودمشق.. فما اثر ذلك في شعرك، وماذا عن الجانب السياسي في نتاجك؟
–   اقترابي من منطقة التوترات السياسية وأجواء الحرب في سورية ولبنان كان مهما في تأثيره في عملي الشعري، كانت الأحداث وإيقاعات الحرب المستمرة ذات تأثير في عملي الشعري. واعتقد أن هناك استعدادا فطريا لدي للتعاطي العنيف مع الأشياء، وهذا ورثته من بيئتي العمانية والتي هي بيئة جدية وصارمة وشرسة بجغرافيتها الشاسعة والعنيفة. وإيقاع التوتر في لبنان بالذات زاد من هذا المزاج حدة وشراسة، لذلك تجد انعكاس هذا الوضع على العبارة الشعرية انعكاس توتر، فيه نوع من الجيشان العاطفي الكبير.
·        إذا كان الشعر السياسي يطربك ويجذبك نحوه؟
–   لم أكن اطرب في تلك المرحلة المبكرة للشعر السياسي، واقصد الشعر الملتزم بايديولوجيا معينة وخط سياسي معين مهما كانت توجهات ذلك الخط، فلم يكن هذا الاتجاه يلقى هوى في نفسي، كان الشعر بالنسبة لي عملية دمج لكل عناصر الوجود بما فيها السياسي، والحياتي، والميثولوجي، المكاني، الروحي، فالقصيدة تشكل  كل هذا، أما الشعر السياسي فهو في ذيل القائمة بالنسبة لي.
·        قبل أن تنتقل إلى باريس تنقلت بين الجزائر وبلغاريا. فهل كانت الأسباب سياسية أم شخصية محضة؟
–   كانت بلاد الشام مركزا بالنسبة لي في تلك المرحلة، لكني في الفترة نفسها غادرت إلى الجزائر حيث عشت هناك سنة وستة اشهر، وسنة في بلغاريا لأسباب ثقافية ومن اجل الاكتشاف وتغيير المكان واحتكاك بجغرافيات أخرى فهي أسباب شعرية وحلمية أكثر منها منفعية، فقد كنت أعيش كشاعر حر، اكتب ودخلي المادي من الصحافة الثقافية، وكما قلت عشت مرحلة التجوال كشاعر.
·        هل كنت محسوبا على تيار معين، وكيف كنت تكسب رزقك وأنت تعيش في اغتراب وسفر دائمين؟
-لم أكن محسوبا على تيار معين اعتاش منه، بل كان مدخولي من الكتابة فقط بالإضافة لمساعدات بسيطة تصلني من أهلي بين حين وآخر. رغم ذلك هناك جهات تحسبني على تيارات سياسية معينة وهذا أمر طبيعي، لان تجوالي من بلد إلى آخر «يخلق التباسا» بالنسبة للآخرين.
·        هل كنت تحاول إثارة ذلك الالتباس؟
–         أبدا: كنت أعيش حياة تلقائية طبيعية.
مرحلة الجزائر
·        ماذا عن مرحلة الجزائر؟
-ذهبت إلى الجزائر في بداية فترة الرئيس الشاذلي بن جديد وكان الذهول يسيطر على الجزائريين بسبب رئيس تلك الشخصية الكاريزمية مثلما رحل عبدالناصر، فالسمات مشتركة بين المرحلتين (عبدالناصر وبومدين). فبعد الانتقال من تلك الشخصية المهيمنة ذات الطموحات الوطنية وانعدام الطموحات الشخصية على الصعيد المادي، شخصية سياسية بامتياز، تختلف معها أو تتفق، بعد تلك المرحلة بدأت مرحلة الضعف والهشاشة في الأوضاع الجزائرية، فكانت في تلك الفترة بداية للتيارات المتشددة حيث بدأت تعتمل في الجامعات وأعماق المجتمع الجزائري الذي كان يشهد نوعا من الفساد بعد رحيل بومدين. واعتقد أن هذه البذور الأولى للكارثة الحالية التي تشهدها الجزائر.
·        إذا ما تشهده اليوم هو إفراز لتلك البذور؟
–   بومدين شخصية قوية اجتمعت عليها كافة التيارات مع وجود قليل من الأخطاء، لكن الوحدة هي السمة الغالبة على كافة التيارات وبموته بدأت تتكشف بعض النوايا، وبدأ مسار الحركات المتطرفة يأخذ شكلا عنيفا ليؤدي إلى هذا الجحيم الذي تعيشه الجزائر وتعيشه بعض المناطق في العالم العربي.
الحياة في بلغاريا
·        كيف وجدت الحياة في بلغاريا وأنت الفتى العربي المغترب؟
–   عشت في بلغاريا سنة أو تزيد. وكانت تعيش مرحلة الحكم الشيوعي الشمولي، لكن البلد جميلة، فهي عبارة عن حديقة ثلجية هائلة وقد عشت في بيت الطلبة، وكانت الثلوج تغطي ذلك المبنى الذي كنت أعيش فيه، بل أن الثلج كان في متناول أيدينا في النوافذ من فرط ما تنهمر الثلوج هناك، وكان امام المبنى جبل يسمى فيتوشيا بلانينا (جبل يابان) وهو عال ومخضر، نصعده في أوقات الصفاء للتأمل والكتابة القراءة عشت في الطبيعة والتأمل الجمالي والمشاهد المدهشة. وقد كنت بمعزل عن الوضع السياسي.
في تلك المرحلة، وفي السياق السياسي، كجزء من السياق الشخصي للحياة. في تلك الفترة كان الحكم الشيوعي الشمولي يدفع الناس للتململ والغضب والاحتجاج من النظام القائم فكأنما ذلك كان يشكل البداية الحقيقية لتدمير ذلك النظام لاحقا، وتدمير مرحلة امتدت زمنا طويلا في الحياة البلغارية وثلث الكرة الأرضية.
·        ماذا عن الجانب الشعري في حياتك في تلك الفترة؟
–   في هذا التجوال كان الشعر حاضرا على الدوام، إذ ذلك التجوال يكثف الدافع الشعري، فقد كان الملاذ الوحيد، لذلك كنت اكتب كثيرا وأمزق كثيرا أيضا. كان الشعر هاجسا أساسيا في هذه المرحلة.
·        وماذا عن اثر هذا التجوال على مكتبتك الخاصة؟
–   لدي مشكلة دائمة مع المكتبة. فكل بلد اصل إليه أبدا بتأسيس مكتبة جديدة فيه وعندما أزمع الرحيل إلى مكان أخر أقوم بتوزيع جميع الكتب على الأصدقاء. والحقيقة أنني أسست مكتبات كبيرة خاصة في مصر وبيروت لذلك لدي قصص خرافية مؤلمة مع الكتب وترحيلها وفي الأخير  تلاشيها.
الحياة في باريس
·        وماذا عن حياتك في باريس؟
–   باريس مرحلة لاحقة، وسبب انتقالي إلى الغرب أن الزملاء محمد عبيد غباشي وحبيب الصايع أصدرا مجلتين هناك، هما: أوراق، والأزمنة العربية، فاتصلت بهما وأخبرتهما أنني مهاجر إلى الغرب، فرحبا بي، فسافرت إلى لندن وبقيت هناك فترة، فحدث إشكال في الحياة اللندنية: فانتقلت إلى باريس، فعشت فيها فترة طويلة مراسلا صحفيا لعدد من المجلات، ثم انتقلت إلى الإمارات وعملت في مجلة «أوراق» وفي عدد من الصحف الإماراتية ثم عدت إلى باريس مرة أخرى، كانت مرحلة طويلة زمنيا وثرية، حتى عدت لاحقا إلى عمان لاستقر وأشارك في المشروع الثقافي والفكري والشعري هناك.
الإصدارات
·        ماذا عن إصدارتك الشعرية والنثرية؟
–   أصدرت حتى الآن 15 كتابا تتوزع بين الشعر والسرد والنقد .. هذه الإصدارات تغطي البقعة الزمنية الممتدة في المكان والزمان إلى حد معين.
·        هل تستطيع الحديث عن شاعريتك من وجهة نظر شخصية .. وماذا عن دواوينك الشعرية؟
– لا أستطيع أن أقيم ما كتبت. أشرت إلى بعض ملامح من تكون شاعريتي الثقافي والمكاني والفكري والشعري، أما الدواوين التي أصدرتها فهي تبدأ من (نورسة الجنون) مرورا بـ«أجراس القطيعة» «رأس المسافر» «مدية واحدة لا تكفي لذبح عصفور» «منازل الخطوة الأولى» «ذاكرة الشتات» «رجل من الربع الخالي» «قوس قزح الصحراء» «الجني الذي رأى الطائرة في نومه»، « جبال» والديوانان الجديدان «مقبرة السلالة» و«الصيف في الظلام».