أيتها المرأة التي تقطع الشارع
باتجاه الغيب
ثمة كائن خفي ينظر بشبق إليك
كلب في مرآب المبنى
أو رجل في غابة
نمر فقد أنثاه
أو امرأة في مقهى
ديك احمرّت عيناه من الصياح عند الفجر
صوفيّ تخــترق نظراته الحُجُب
ذكر دلفين في الأنهار الباردة
العيون شاخصة
الجوارح ترتجف
ثمة كائن يسيل لعابه
وأنت تقطعين الشارع
باتجاه الغيب
ٌٌٍ
كان زعيم آلهة بابل (مردوخ) قد شكت إليه هذه الآلهة من العطالة والضجر وانعدام الحيلة، فلم يعد هناك متعبدّون يقدمون لها الأضحيات. على الفور خلق لها البشر لتتسلى بهم وتقضي على أوقات الملل الضارة بالتأكيد. خلق البشر من جسد (كنجو) إله الشر المطلق بعد أن فتته وأذابه الى طينة الخلق الأثيرة على قلب الأساطير.
ترى لماذا الحيرة فيما وصلت إليه ذريته اللاحقة المتطورة من فظاعة ودموية وتوحش يندى له حتى جبين (كنجو) وبطشه المتواضع؟
ٌٌٍ
البارحة تجاوزت في المشي حدود فندق البستان نحو القرية المتاخمة التي تحمل نفس الاسم (البستان) الذي كان يشمل المنطقة بأكملها قبل تشييد الفندق على هذا النحو الخرافي كأنه طالع للتوّ من إحدى قصص ألف ليلة وليلة.
كان هناك مجموعة صيادين يدفعون قاربا ثقيلا نحو البر، الى الأعلى خوفا من أن تجرفه أمواج الليل العارمة. وكان بمحاذاتهم كلب أعرج ينبح بإلحاح.. شيئ ما يحرك هذا النباح المنتحب غير مرئي بالنسبة لنا. سمعت نداءهم للمساعدة، فذهبت وفي رأسي طنين أيام العمل الجماعي كل شهر حين كنا في القاهرة أو الشام في ذلك الزمن الآفل. كانوا يغيّـرون بين الفينة والأخرى لوح الخشب الصلب المثبت تحت دفة القارب، يستجمعون قواهم التي شتتها سهر الصيد في أعماق البحر، فيندفعون في زفرة واحدة (يوس) سرحت بعد سماع كلمة (يوس) تذكرت أن كل الصيادين في النواحي البحريّة الذين رأيتهم في طفولتي ينطقون بها حين يدفعون قواربهم باتجاه الشاطيء، كأنها مفتاح القوة الخفي، بوصلة المواجهة والوصول.
الموج يلثم الصخرة
وبعنف يخبط محيطها الطحلبيّ
بينما شجرة لا أعرف اسمها،
تلوح كالطلل من بين مفاصل جبلٍ أجرد
وحيدة في هذا العراء الكاسر.
ٌٌٍ
ابن المقفّع: لا أُجالسُ إلا منْ هُم على شاكَلتي…
بعد قرون لوتاريمون يبحثُ عن كائنات تشبهه حتى لو كانت أنثى القرش وهو يحدّق في عينيها الهائجتين بنظرة حنانٍ فريدة.
ٌٌٍ
سليمان الحكيم في مملكته المترامية الأمصار والكائنات والعواصف والطيور أراد تأديب الهدهد بأن رماه في العيش مع جنس غير جنسه. كان ذلك أسوأ عقاب حتى من التّعذيب المباشر والقتل.
ٌٌٍ
مَنْ خَبِر أَرَقَ الليالي وعظائم المحن مثل من هو عكس ذلك على الإطلاق، مادام الموت خاتمة الجميع! في ضوء هذه الأطروحة إذن لا فرق بين العظمة والحقارة، بين السّمو والانحطاط؟ هكذا يتسللُ عوامُ «الوجوديّة« و«العبث« إلى منابر الفكر وألغازه الصّعبة.
ٌٌٍ
يحدوني شوق الحياة إلى شخوص وأزمنة بعينها حتى إذا أدركتها ذرفت دموع الحنين إلى أخرى مختلفة ونقيضة.
ٌٌٍ
شعاره: لا أحد يستطيعُ أن يفهمني، سابقٌ لعصري وأواني، عميق الغور ومستحيل على الجميع.. وجه آخر من أوجه البلاهة السّطحية الكبرى.
ٌٌٍ
ليس هناك من هو كالغزالي حدةً وشراسةً ضد الفلسفة والفلاسفة حتى صار عدوها النموذجي، مع ذلك نجده في مناطق كثيرة أكثر تفلسفا وعمقا من أسماء وأفكار كرّس وقته لدحضها تحت قناع العداء إيّاه للفلسفة!!!
ٌٌٍ
يؤسطر المؤرخون، الأبطال والرموز والمدن، لكن بالكاد يدخلون في تفاصيل الحريق ووقوده البشري وفيض ضحاياه. بالكاد يدخلون فيه إلا كأرقام عامّة.
ٌٌٍ
الجندي المجهول، ربما هو البطل الوحيد الحقيقي في التّاريخ.
ٌٌٍ
يبدو أن ميلاد الشعوب والأمم في التاريخ كقوة حاسمة تكتنفه شروط بالغة الالتباس والتّعقيد، حين يخرج من إطار التّجريد والخرافة، إلى أرض الوقائع والتجسيد الحيّ.
رغم تلك الأطنان الخطابيّة واللفظيّة التي لا تفتأ تبشر بالولادات، المسْخِيّة غالباً، هل كان ابن خلدون في «دوراته« التي تشبه نوعا من قَدَرِيّة صارمة لكنها بصيرة في قراءة الأحداث حول انبثاق الحضارات وصعودها وموتها، هل كان محقا في إمساكه بالجوهري وما عداه باطل أو تفاصيل؟
ٌٌٍ
نظر إلى وجهه في المرآة. كان الفجرُ قد بدأ يندلق على الصحراء الهرمة التي تطوّقه من كل الجهات، وهو لم ينم بعد. صرخ، يا إلهي. هذه الكهولة التي تقضم جسدي بسُعار أكبر. هذه السنوات التي بدأت في تحويلي إلى ملهاة، لقد فلتت من بين أصابعي وعجزتُ عن متابعتها، أسراب بُوم ناعبة في الظلام.