وداعة النسيم
البارحة
رأيتني أكتب كلاماً متلعثماً
كأنما هو محمولٌ على مناكب أشباح
كلاماً يتدفّقُ من مسارب خفيّة
كمن يطاردُ حلماً في صحراء
رأيتني أحبل بصرخةٍ ترفضُ الخروج
ترفض الولادة
ولادتها عسيرة
أريدُ أن أصرخَ
أن تكونَ صرختي بلون أعصابي
بلون دمي وأحشائي
بلون الأصدقاء الذين ماتوا قبل قليل
– لا بلون عشيرتي –
بلون طائرٍ يعبر الطّوفان.
البارحة
رأيتُـها تعبرُ المسافةَ
لا، لقد عبرتـُها قبل ذلك بكثير
وتستقرّ في حضني
تُداعب شعرَ رأسي
والجسدَ المثخنَ بجراحِها ومائِها
رأيتُها ترتّبُ أيـّامي
كما ترتّبُ صمتَ الفاكهة وأثاث المنزل
تقفزُ من تلّة زمنيةٍ إلى أخرى
حتى تصلَ إلى يومٍ بعينه
يوم ليس كباقي الأيام يقيناً
فأُفَاجَأُ بالصّفعةِ تدوّي على خدّي
لم أسألها السبب
نمتُ في حضنها بوداعة النّسيم
بوداعة ثور أفرغ هياجه
قبل أن يمتطي أنثاه
نمت نومة المجرم في رحم جريمته.
رأيتني في مسرحٍ مليء بالمرايا
يشبه كهفاً
كان السحَرةُ يتحرّكون داخلَه بكسل
ويتبادلون الأضحيات
كان الجو عابقا بالبخور
كانوا يصمتون بجلال
كلّما عوى ذئبٌ أو نعق غراب
مشرعين النـّوافذ للضّبــاع
كي تقفزَ أسراباً إلى باطن الكهف.