ما تحاول بعض المؤسسات الأمريكية والغربية ترويجه لصورة الاتحاد السوفييتي السابق وقادته ، ليس في أفضل الأحوال بمختلف عن دعاوة هذا الاخير حول المعسكر الغربي المنحط والمتحلل بفعل خيار التطور الرأسمالي و(النمر الورقي).
ليس بأفضل من هذه الدعاوة التي تجافي بطبيعتها وقائع التاريخ وتنزع دائماً إلى الحط من شأن العدو بكافة الأسلحة المتاحة التي لا يمكن لخطابها أن ينبني إلا على السذاجة والتلقين الايديولوجي .
الدعاية الأمريكية خاصة ، المنتشية بنصرها التاريخي حقا ، لا تفتأ تطارد شبح المعسكر الحديدي الذي كان يقض أيامها ولياليها ولا يتركها تسرح في واحة أحلامها ، الامبراطورية المتفرده التي تراودها ، والتي تحاول تحقيقها في البرهة الراهنة حتى ولو على جثة نصف البشرية أو البشرية جمعاء ، من يعرف في ظل أسلحة الإبادة الحالية. بعد أن فرغت ترسانة الكذب والتبشير بقيم الحرية والديمقراطية الموعودة وانكشفت عارية ، على يدي المحافظين الجدد ، أمام العالم الذي كانت تراوده بعض الأوهام حول ذلك.
ذلك العالم أو النفر الذي صار لا يخفي اسفه إلى عهد الثنائية القطبية الذي كان يلجم هذا الاندفاع الدموي الوحشي الذي يسود ويستفحل في عهد الواحدية الراهنة .
***
طبيعة الخطاب الدعوي الغربي الأمريكي خاصة ليس بأحسن من سابقه السوفييتي في طمس الحقائق والحط من شأن العدو المخالف في الرأي والتوجه ، وان كان أذكى واكثر مكرا ولمعاناً، هذا الخطاب بتفريعاته المختلفة الذي أصبح يغطي الكوكب البشري ، لا يترك قناة أو نافذة إلا ويحاول إحتلالها وضمها إلى موكبه العملاق.
وإذا سلمنا أن التلفزيون أصبح القناة الأكثر حسماً لترويج الدعاوة والتجهيل والعَبطَ ، فالسينما التي كانت قبل استفحال التلفزيون وارتفاعه إلى سدة الرئاسة ، هي الوسيلة المهيمنة جماهيرياً ، ورغم تراجعها لكن ما زالت تشكل أحد مجاري هذا الخطاب ومستنقعاته الكثيرة.
ليست قليلة هي الأفلام التي تتناول وتقارب الحقبة السوفيتية ومنظومتها الاشتراكية بأشكال ورؤى مختلفة ، يغلب على معظمها السمات التي أشرت إلى بعضها .
آخر فيلمين رأيتهما في هذا السياق، فيلم ( حياة الاخرين ) وفيلم (استالين) فاذا كان الأول يتناول ظاهرة كانت موجودة ومستفحلة بالفعل في ألمانيا الشرقية ، وهي الرقابة المخابراتيه على الكتّاب والادباء حتى أولئك الموالين للنظام القائم.
ومعرفة كل شيئا عنهم حتى أدق تفاصيل حياتهم الخاصة ورصد طريقة ممارستهم للجنس وطريقة الأكل والتدخين والاستحمام .
حياة (الآخرين) وان كان في المحصلة الأخيرة يندرج في سياق الأفلام الغربيّة التي تكشف وتفضح مساوئ الشرق الاشتراكي السابق ، لكنه فيلم بجانب شهادته الصادقة التي تستند إلى رواية واقعية لحياة كاتب في ذلك الشطر الشرقي من ألمانيا ، وهو فيلم ألماني ، يقدم أيضا مستوى فنياً راقياً ومميزاً .
على العكس تماماً فيلم (استالين) الذي هو النموذج الفج للأفلام الدعائية ، حيث يظهر القائد السوفييتي في تلك المرحلة المعقده من تاريخ السوفيت والعالم _ وهو التتويج الأقصى لسلسلة الأباطرة ، بإعتبار ان الشيوعية الروسية ، أقرب إلى (ايفان الرهيب) منها إلى (كارل ماركس) حسب (كونديرا) – يظهر شخصاً (أزعر) ذا ضحكة أقرب إلى الغوغائية ، متآمراً صغيراً ، يحيط به أفراد مهرجون تافهون بعد أن صف نخبة الرفاق .. (استالين) الطاغية والدموي لكنه ضمن وقائع التاريخ ووثائقه وبراهينه هو الذي هزم (هتلر) والجيوش النازيه وبنى الامبراطوريه المهيبة بصناعاتها الثقيلة ، بعد أن أخمد كل الحروب والفتن الداخلية . العصامي المحب للثقافة والموسيقى والشعر ، كما أظهر الفيلم في بدايته ليذهب مباشرة إلى التزوير كما ترسمه دوائر التوجيه المعنوي للعدو النمطي ..
هذا النوع من الأفلام الموجة المجافية لمساحة البحث الموضوعي والإبداع الحر تؤدي مفعولاً عكسياً لدى بعض النخب المتعلمة والمثقفة خاصة ، التي تستشعر بعد المشاهدة والقراءة بنوع من النزوع المنصف إلى ذلك العدو أو (اللا صديق) المرذول والمعتدى على بديهيات تاريخه وحياته فرداً ومرحلة وأفكاراً.
في فيلم (استالين ) لم نر ذلك الرمز الطاغي ، الاشكالي التدميري والبناء ، خارطة المتناقظات هذه على نمط الديكتاتوريين الحقيقيين (وليس السماسرة) كما عرفهم التاريخ. ولم نرى تلك الحقبة المفعمة بالأحداث الجسام والتحولات ..
وحدها لحية (لينين) ظهرت على ذلك النحو المرتب الأنيق.