طرحت بعض الجرائد العربيّة اليومية في صفحتها الثقافية سؤالاً حول هجاء الشاعر الراحل نزار قباني للنفط وبلدان الخليج النفطية التي قبل جوائزها وهداياها ، وذلك بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الشهير.
وأعتقد أن السؤال، لم يكن موفقاً فلا الخليج بجغرافيته الثقافيّة وبلدانه، يُختزل في ثقافة واحدة موّحدة لا يطالها الشك والنقد، ترتفع الى مستوى الطهر والقداسة. هكذا كتلة صماء لا انقسام ولا أهواء ولا اختلاف!! كما تروج الكثير من الدعاوى التلفزيونيّة الورديّة التي لا ترسم إلا الايجابي والمشرق للحاضر الخارج من رحم البداوة والتوحش، والمستقبل الأكثر بذخاً وإشراقا!
ولا شاعر بقامة نزار قباني وموقعه الريادي في خارطة الشعر العربي، يمكن أن يختزل إنجازه الشعري والثقافي، في بعد واحد، هو بعد هجاء النفط، فكما شهر به وهجاه، كذلك فعل بالعروبة والأنظمة “القوميّة” التي تتاجر بالقضايا الكبرى وعواطف الجماهير مسوقة شعارات هي النقيض منها على طول الخط …
وتعرض للكثير، عبر تسييس الشعر، على هذا النحو، من مظاهر وعناصر برهة الانحطاط العربي، الذي يشكل حدث النفط ومشتقاته وسلوكاته جزءاً لا يتجزأ من مجمل هذا الوضع… بجانب بداهة أخرى أن هذا النفط المذموم ليس في بلدان الخليج فحسب وإنما نعمته التي تحوّلت الى لعنة ونقمة، موجود في بلدان عربيّة اخرى… وهناك طبقة من الكبرادور العربي الطفيلي استفادت من هذه الثروة، هذه الطبقة هي الوحيدة متماسكة و”قويّة” وموحدة تمتد من الخليج الى المحيط.. وما عداها ليس إلا وقود الحروب والأوبئة والجهل والفقر، ولا يزال الأفق مشرعاً على ما هو أكثر دمويّة وخرَابَا..
نزار قباني (رحمه الله) لا يمكن ولا يجوز إبداعياً ونقدياً، اختزاله في بعد هجاء النفط والأنظمة، فالكثير من أشعاره وقصائده في هذا السياق ليست إلا ردات فعل، أو كما يقال (فشة خلق) شعبية.. فقباني الشاعر الكبير، الدمث الخلوق، والحضاري ينبغي علينا استحضاره في هذه المناسبة، عبر متنه الأكثر ألقاً، والذي استطاع فيه أن يحقق تلك المعادلة الصعبة بين الإنجاز الفني عبر خياره الشعري الجمالي الذي اقتنع واشتغل عليه طوال حياته، وبين الحضور الجماهيري الذي ربما لم يحظ به شاعر مجايل آخر.
رحم الله نزار قباني وعبدالرحمن منيف وسركون بولص ، ففي رحيلهم ورحيل أقرانهم ، راحة النفس والروح، قبل أن ينفتح المشهد الكارثي الى آخر مصاريعه ومآسيه ومساخره.