منظرو الطريقة (التاويه) الصينيون ، يضعون ضمن متنهم الفلسفي الداعي إلى حياة صحية جسداً وروحاً ، نبذ التوتر والعيش بطريقة طبيعية وفق جريان مياه الحياة في تدفقها وتشعبها ، عنفها وسلامها ، راحتها وشقائها …أي أن يقذف الكائن نفسه في خضم المجرى الطبيعي للحياة ، ويعيش الأطوار المتناقضة بالروح والقابلية ذاتها . ولا يرتهن بمعارف ووساوس أفكار مسبقة معلبة ترتد فتكاً وتدميراً ، وتعرقل المسيرة التلقائية الأكثر نضارة ، والتي من الممكن أن تفضي إلى نوع من سعادة وهناء .
الفسلفه التاوية ، خاصة على لسان علمها الأساس (لاوتسي) الذي إليه ينسب إنجيلها المسمى ( تاوتي تشينج) في القرن السادس قبل الميلاد ، لا تدعو على جاري ركني عائلتها الفلسفيه والروحية (الكوفيشيوسيه) و(البوذية) إلى تجنب الحياة المتعويّة من جنس وطيب طعام وملذات دنيوية أخرى ، عبر إماتة الحواس التي تقتضي تمارين الزهد والتقشف القاسية ، والترفع عن كافة الإغراءات ، حتى الوصول إلى الصفاء المطلق او (النيرفانا) تلك النقطة العصية التي تنحل فيها التناقضات ويضفر الكائن الفريد بوحدة الوجود حين يعيش في خيمة السلام الروحي الاقصى .
انتشر أتباع هذه الفلسفات والمؤمنون بها في أنحاء العالم ، خاصة الاوروبي الامريكي ، بعضهم حقيقيون فاعلون معرفياً وحياتياً وبعضهم نَصْب واستغلال وتسطيح للابعاد العميقة لتلك الفلسفات وسط جماعات تبحث عن طيف عزاء ينتشلهم من كوابيس حياتهم اليومية المضجرة .
(التاوية) اذ تتقاطع مع تلك الفلسفات في عناصر وطرق كثيرة ، تفترق في هذا المنحى ، اذ تذهب الى التوحيد الهارموني بين الملذات السماوية والملذات الارضية . وبهذا التناغم يوحد الانسان بين متطلبات حياته الروحية والحسية في وحدة متكاملة .
هذه العائلة العملاقة من الفلسفات الآسيوية والشرقية والتي تأثر بها لاحقا فلاسفة وعلماء غربيون ، أثبتت الكثير من التجارب صحة بعضٍ من طرق معالجاتها لمعضلات البشر وآلامهم ، كما في طرق الحكم … فالفلسفات الصينية القديمة كانت جزءاً من بنية الحكم والدولة وكان كهنتها المرشدين النظريين للاباطرة والحكام ، تبعا للعهود وطبائع الحكم والحاكم .
لكن هذا لا ينفي أن الكثير من عناصر المتون لتلك الفلسفات ، ضارب في أعماق (اليوتوبيا) كأي فلسفة في تاريخ الانسانية ، وان كانت تنحى منحى التجريب والتمرين اليومي والحياتي على بعض تعاليمها ، لا ينفي عنها ذلك الجانب الصميمي ، وإلا استحالت إلى ((نصائح)) أو طرائق إرشاد في الصحة العامة ، وذهب لاهوتها وجدلها حول الكينونة ونشوئها ، طبيعتها ونموها وانحطاطها في الزمن والتاريخ ، مذاهب من التعقيد والأغوار النظرية ، ربما تفوق في بعض جوانبها جدل الفلسفة الإغريقية في تلك الأزمان .
***
كيف للفرد المسكون بالقلق والتوتر ، في الصميم من وجوده المضطرب أصلا، طبيعة وفكراً أن ينفض عنه شرط وجوده القاسي ويعطي نفسه هكذا ، لمجرى الحياة الطبيعي ، بعد جلسات من التمرين على التأمل والتنفس والاسترخاء ، من الرياضة الروحية والجسدية ؟
ربما هذه الطرق والإرشادات ، تخفف من غلواء القلق وثقل الهموم والزمن ، لكن أي فلسفة أو طريقة ما تستطيع أن تستل تلك الحشرة التي تفترس الرأس والقلب ، حشرة الوجود وعدوان البشر وحروبهم اليومية الصامتة وتلك المدججة بالاسلحة والصراخ ؟!
ربما تلك الطرق بأبعادها الجماليّة والإنسانية ، تخفف من غلواء القلق وسطوته، وتبطيء مسيرة اللهاث والظمأ لتلك الحشرات والهوام ، حشرات الوجود وهوام البشر المفترسة . مثلها مثل أي معرفة أدبية جمالية ، ومثل السباحة في البحر المتلاطم أومياه الينابيع في سفوح جبال القوقاز ..
لكن الوصول إلى ذلك السلام المنشود مسالة بعيدة وعصية أيما بعد وعصيان .