مهاب نصر

تجربة الشاعر العماني سيف الرحبي عالم ممتد في الزمان الشعري والمكان العربي، تقع بين تجاوز التراث إلى آفاق التجديد والثورة في النص، وبين التعرّف إلى الذات المتعددة في أقاليم وعواصم عربية، رافق تجارب تحديثها عن قرب، والتمس تميز كلّ منها.

الشاعر والمترحل والمسؤول الثقافي عن «نزوى»؛ واحدة من أهم المجلات الثقافية العربية ومن أكثرها رصانة، استضافه مؤخراً برنامج «كتاب مفتوح» الثقافي الذي يعده ويقدمه الشاعران عبدالرزاق الربيعي ووسام العاني، برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات في سلطنة عمان، وبثّ عبر جميع مواقع التواصل الاجتماعي بالتعاون مع منصة الفنر العمانية.

على وقع حالة الدمار والتخريب التي شهدتها عواصم عربية عدة، كان السؤال عن دور الثقافة والمثقف، حيث قال الرحبي «تلعب الثقافة بالتأكيد دوراً في المواجهة، لكن لا نستطيع تحميلها أعباء أكثر مما تحتمل. لكن الضوء الإنساني العميق لن يختفي رغم كل التحديات. لأن اختفاءه يعني دخولنا في العتمة الأبدية والمروعة لنهاية الكائن البشري على الأرض. وهذا الضوء الثقافي الجمالي الإنساني على قلته أمام هذا الانحطاط الكاسر وهذه الفظاعات الدموية والوحشية يبقى وجوده مهماً واقعياً ورمزياً».

وتابع الرحبي «ربما من الصعب إيقاف الخراب، وكأن العدوان والتدمير جاءا على أكثر المدن تماساً مع الذاكرة العربية، خصوصاً في المشرق العربي، كدمشق، وبيروت، وبغداد، وصنعاء، التي كوّنت الذاكرة الوجودية والثقافية للإنسان العربي، وكوّنت المعرفة والهوية. وهذه المدن تترنح الآن بين القتلة الخارجيين والداخليين. وهذه ضربة قاصمة للذاكرة العربية الثقافية ما زلنا نعيش على إيقاع جراحها الأليم وربما سنعيش عليه طويلاً».

رحلات الذات الشعرية

عن تجاربه في الرحلات بين مدن شتى، أشار الرحبي إلى أن المدن بالنسبة له تحمل الكثير من الكثافة الوجدانية، والكثافة في التجربة، والمشاعر. وتابع «أدب الرحلة لا يعني الكثير لي بالمعنى التقليدي بقدر ما يعكس الرحلة الداخلية للكائن البشري ويجسّدها في النص الشعري، والأدبي، والثقافي. الرحلة بين البلدان كانت بالنسبة لي قدراً شخصياً وتاريخياً في سياق تجربة تاريخية معينة».

وتناول الرحبي تجربة علاقته بالشام، خاصاً مدينتي دمشق وبيروت، قائلاً «تجربة الشام كانت مهمة بالنسبة لي كثيراً، ولو جمعت كتاباتي عن الشام ربما تشكّل كتاباً، أو كتباً، مثلما كتبت عن القاهرة (زمن البدايات) مثلاً».

وقال الرحبي إن إقامته في الشام كانت حاسمة على الصعيد الأدبي والثقافي، وعلى صعيد الصداقة، والعاطفة أيضاً. انبثقت منها لاحقاً إقامات كثيرة مثل إقامته في الجزائر، حيث كانت أول مرة يتعرف فيها على الجزائر من خلال بلاد الشام. «في دمشق عرفت الكثير من الأصدقاء الجزائريين مثل: واسيني الأعرج، وأمين الزاوي، وربيعة جلطي، وزينب الأعوج والكثير غيرهم ممن أصبحوا أسماء لامعة في المشهد الثقافي».

سجالات أدبيّة

وحول موقفه من السجالات الأدبية بين التقليد والحداثة، والتي كانت تدور في مصر إبان وجوده فيها، تحدث الرحبي قائلاً: «القاهرة كعاصمة كبرى للثقافة العربية ومن العواصم الأساسية التي شكّلت الذاكرة الثقافية العربية بكلّ تجلياتها المعرفية، لكنها بخلاف بيروت التي كانت مختبراً أكبر لحرية الإبداع، وللثقافة، وللتعدّدية، شهدت تيارات مغلقة، وصعبة كانت مقاومة للحداثة. خاض تيار الحداثة، والتجريب في مصر معارك من أجل الحداثة أكثر من أيّ بلد عربي آخر. فعندما جاء السبعينيون بمفاهيم جمالية، وفكرية، وشعرية مختلفة عن السائد واجهوا معارضة شرسة. ولذلك المغامرون الجدد على صعيد الشعرية المصرية لقوا كثيراً من العنت أكثر من غيرهم لكن ليس أكثر من عمان، والخليج طبعاً».

مدينة الإنسان

تطرق الرحبي أيضاً إلى رحلاته الأوروبية باعتبارها بحثاً روحياً عن الطفولة البشرية والطبيعة كملاذ وجودي، وهذا برأيه وهذا ما يطرحه جان جاك روسّو وهو أحد منظري التنوير الأوروبي العقلاني من ضرورة العودة إلى الإنسان الأول، أو إنسان الطبيعة، أو الإنسان البري الذي لم يتلوث بسلم الطبقات، والانقسامات، والتقدم العقلاني اللاحق.

وعن سؤال حول إيقاع الحياة إن كان نثرياً أم شعرياً، ومدى قدرة قصيدة النثر على استيعاب اليومي، والهامشي للإنسان المعاصر، أجاب الرحبي أن الفن الشعري والفن السردي استطاعا أن يلتقيا في نقاط معينة ويستفيدا من بعض. وقال «بالنسبة لي ربما أكون في هذا السياق، لذلك لا يؤرقني سؤال النثر أو سؤال الشعر لأني أراهما في سياق واحد هو سياق فني وإبداعي وجمالي ووجودي واحد. ولذلك أيضاً كان لي موقف من هذا الأمر في وقت مبكر من خلال ثاني كتاب بالنسبة لي وهو الجبل الأخضر، الذي كان عبارة عن تجربة شعرية سردية».

«نزوى» وتحدياتها

في حديث عن تجربة مجلة «نزوى» والتحديات التي تواجهها، قال الرحبي إن كل منبر ثقافي يحترم نفسه ويسعى إلى تقديم شيء مختلف عن النمطي والسائد سيواجه بالتأكيد تحديات مستمرة وأسئلة في تقديم هذه الثقافة بالمعنى المختلف. وكذلك كيف يمكن أن تضيء على مناطق معتمة في طريقة الثقافة وحاضرها. ومجلة نزوى تحاول مواجهة هذا السؤال باستمرار في محاولة لحله أو تخطيه بطرق معينة.