ولد عام 1956 في قرية ((سرور))، وأنهى دراسته الابتدائية عام 1971 في المدرسة السعيدية بمسقط، ثم أكمل بقي مراحل دراسته في القاهرة، وبذلك يكون الشاعر العُماني سيف الرحبي قد عرف الرحيل والسفر، قبل أن يعرف الشعر، أو على الأصح، إنه عرفهما معا في اللحظة التي ترك فيها الجبال والفيضانات والجغرافيا الوعرة ليتنقل من مكان الى آخر وبيده أكثر من مدية يقطع بها الحبال التي من شأنها- عادة- أن تشد الشاعر الى خيمة ثباته، أو اقامته.
أمضى سيف الرحبي نحو عشرين عاما خارج عُمان متنقلاً في عواصم عربية وعالمية عدة، ولكنه في عام 1993 عاد الى وطنه مستقرا ومنهيا مشروع اسفاره القلقة، غير أن هذه الاسفار لم تمنعه خلال السنوات العشرين من زيارة عُمان، بما يشبه التزود من الوطن، ومجاراة لنار الحنين التي اعتادها الشاعر وأخذ يروضها ويهدهد لهيبها في كل مكان حل فيه، أو رحل عنه.
أما عودته الى عُمان فقد كانت بعد تجربة وخبرة واختبار لهجراته الاختيارية. ثم بعدما تكرس اسمه وحضوره عربيا كشاعر ينتمي الى الحداثة عن قناعة وخيار إبداعي، لا عن ركوب وامتطاء مُربك للكتابة الجديدة التي شهدت أشد تحولاتها المفصلية في بداية الثمانينيات من هذا القرن، فقد كثر الضجيج في تلك الآونة حول قصيدة النثر بالذات، ولا يزال، ولكن بوتيرة اخف. كما كثر التنظير وكثرت ((المواقف)) من الكتابة الجديدة عموما، وكان المشهد أشبه بمشهد حرب بلا تضحيات ولا شهدء.. كان العراك الثقافي العربي على أشده، وكان ((الثوريون)) العرب بالمرصاد الايديولوجي لأي خروج على ثوابتهم. وكانت صفة ((خائن)) بمثابة طلقة الموت على أي مبدع يحاول اجتراح حياته بيديه من دون العودة لاى صكوك غفراناتهم السياسية والابداعية.. وحتى الانسانية.
كانت الثمانينيات محفلا من اليتم والبراعة في تجبير الابداعي للسياسي، أو العكس فكثر النقاد، وكثر الصعاليك، أو المتصعلكون، كما كثر الذين يدعّون قمع واضطهاد أنظمتهم، وعليه، كانت كلمة ((معارضة)) أو ((معارض)) ترن كالذهب الخالص في المنافي الأوروبية والعربية على السواء، وعليه، إذا، فقد كثرت المنافي، وكان يحلو للشاعر العربي أن يأتي الى المقهى الرصيفي الأوروبي بثياب رثة ولحية طويلة وبين شفتيه غليونه المدخن دائما، ويرمي حقيبة الجلد على المنضدة قائلا: ((أنا منفي)).. أو أن تسمع آخر يقول: لا شأن لي بشيء فأنا((صعلوك)).
في الثمانينيات أيضا، الفترة التي اختبرها وتشبعها وفهمها سيف الرحبي جيدا، كان يمكن لشاعر نكرة ابداعيا وإنسانيا أن يتسلق شجرة ((الحرية))، وأن يقف ((كالقرد العاري)) على شجرة المعارضة… وأن يستثمر الثورات والانتفاضات والهجرات والمنافي ببراعة لا يعرفها حتى اذكى التجار ورجال الأعمال، وهكذا، وبعد سنوات قليلة على ذلك كله ستشهد خريطة شعرية عربية حدودها كالتالي: لجوءات سياسية في دول الغرب الأوروبي المرفه، صحف ودور نشر، مؤسسات ثقافية ومراكز بحوث.. ثم مال يتضاعف في البنوك.. وتلك هي الصورة السرية لهذه الخريطة، أي الصورة المقنعة. أما الصورة الاعلامية والمباشرة فتقول إن هؤلاء (أصحاب كل هذه الامتيازات) انما هم مناضلون قدامى ويستحقون كل هذه المكافآت على تعبهم المرير.. كان سيف الرحبي، يعاين المشهد جيدا، بهدوء، وبالشعر وبحب الحياة.. بمعنى آخر لقد كان يحتقر هذه الحالة الثقافية العربية المهاجرة لأنها ضد روحه الشعرية وضد انسانيته تالياً.. كان خارج الايديولوجيا، ولكنه كان داخل الشعر. وكان خارج الصعلكة البذيئة الرخيصة، ولكنه داخل نظام نفسه وداخل نظام قصيدته.
لم يذهب الرحبي في باريس وامستردام وبون وبيروت والقاهرة ودمشق الى بعثرة طاقاته وشتات روحه.. ولم يذهب الى موضة الصعلكة والفوضى، كانت هجرته منظمة، وفوضاه- وإن وجدت- كانت أكثر تنظيما.. فالشعر الحقيقي هو الذي ينقذ الانسان من مهاويه وسقطاته.. والشاعر الحقيقي هو إنسان منظم وحقيقي.
نجا سيف الرحبي من رومانسية المنفى، وأمسك بمقبض الشعر جيدا.. بقي أمينا الى الكتابة بوصفها ذاكرة تغذي الوجدان وتحرسه من الضياع بين ((اوتوسترادات)) الذهاب والإياب  من وإلى الوطن، او من مهجر الى مهجر.
من خلف جملة الرحبي، سنمسك دائما بجمرة وجودية تغلفها روح رثائية او فجائعية، وبعض المتابعين لشعره اشاروا الىان قصيدته وحشية، قاسية، مُعتمة، ومع ذلك لم يكن الرحبي فكريا فيزيقيا او تجريديا، أو ايديولوجيا في شعره.. بهدوئه الانساني يكتب هدوءه الشعري.. على ذمة النثر هو الذي بدأ في مطلع حياته بالقصيدة العمودية، وربما لهذا السبب نراه يقول بموقف شعري فني في الحداثة يكرره دائما في أحاديثه.. يقول: ((القصيدة الجديدة هي انحراف المركز عن وهم الاكتمال، إنها مفتوحة على الاحتمالات كلها بما فيها النقصان)).. ويقول: ((ولا أميل الى جر المعارف المنجزة، كالفلسفة، وبقية الحقول المعرفية الاخرى الى ساحة الشعر، انما أميل الى ان على الشعر ان يخلق أدواته وتصوراته الخاصة بنفسه، وعبر نزوعه الخاص وحريته اللامحدودة بالتقاط أشياء العالم..)).
صدر للشاعر سيف الرحبي ثماني مجموعات شعرية آخرها ((يد في آخر العالم)) وكتب عددا من القصص القصيرة، وكتب سيرة مكانه وطفولته بعنوان: ((منازل الخطوة الأولى))، وله مجموعة من المقالات الثقافية المختلفة التي نشرها في عدد من الصحف والمجلات العربية بعنوان ((ذاكرة الشتات))، ويعتبر كشاعر من منطقة الخليج هو الاكثر تواصلا مع الساحات الثقافية العربية، ولم يسع الى شهرة وتمدد اعلامي من خلال هذا التواصل،بل كان يواظب على قصيدته التي تميل الى الايجاز والتكثيف وعدم الافتعال، ما دفع الشاعر اللبناني الراحل يوسف الخال لأن يكتب اليه في رسالة: ((حداثة سيف الرحبي ليست حداثة افتعال، ولو كانت كذلك فلا تستحق دمعة حبر، انها انفجار الوعي والحساسية الجديدة في تعبيرهما عن شقاء الانسان في غربته وفي منفاه، ،قرأ ذلك في لغة شعرية متميزة وسط فوضى الهويات الشعرية السائدة)).
يملأ سيف الرحبي ربعه الخالي بالشعر، ويستعيد دائما يومه الماضي في حاضره، أو يومه الحاضر في ماضيه.
إن خبرته الوجدانية توجز دائما في زمنين: الماضي والحاضر، او الغربة والحنين، بحسب رأي الشاعر اللبناني محمد العبدالله… وفي مجموعته الجديدة: ((يد في آخر العالم)) يسمّي هذا الوقوع بين الزمنين بـ((رعايا الذاكرة)).. يقول عن أماكنه وأصدقائه ومشاهداته في الاسكندرية ودمشق وعمّان:
((رعايا الذاكرة ينهارون كما تنهار
القمم الثلجية في مخيّلة المغامر
هكذا دفعة واحدة
يقطع الحمام هديله الى الأبد
كما ذهبت أنت ذات دهر
أمام البناية الضخمة في المدينة النفطية
من غير كلمة ولا  تلويحة وداع…)).
الراية/ ملف القرن العشرين 14/ ديسمبر 1999م (العدد6429)