انها الاسطورة ((الواقعية)) اذا كان لنا ان ننحت تعريفا، ربما نتذكر هنا فورا أدب امريكا اللاتينية الذي هو ايضا نحت اسما مماثلا ((الواقعية السحرية)). الاسطورة في الواقع وثمة بطبيعة الحال تلك الذاكرة السحرية وذلك العلم الاسطوري.
لو تتبعنا ديوان ((سيف الرحبي)) لوجدنا مصداق ذلك في الأسلوب والبناء، أما البناء فهو في الغالب شذرات قصيرة ومقاطع خاطفة. انها لحظات ولقطات وتعليقات وتدقيقات أحيانا، أي انها مقاطع قوامها اللحظة واللقطة وكلاهما يوحي بنوع من أدب يومي. ويوحي كذلك بواقعية تسجيلية ويوحي براهنية على نحو ما فاذا قرأت بدا لك ان الشذرات السريعة لو اتخذت أحيانا ما يشبه التسجيل او ما يشبه السرد او ما يشبه اللقطة، الا انها في عمقها شظايا ملحمية. شظايا بما في الكلمات من المعنى، أجزاء وحطام ملحمة لكنك اذا فحصت الشذرة وجدت انها تنطوي على عناصر الملحمة التي لاحظناها في التعريف او المقطع التعريفي. عناصر العنف الطبيعي والرحلة الماضية الى لا مكان ولا وصول ولا نهاية، والبقايا المهجورة لمن قضوا في الرحلة وتحولوا هم انفسهم الى حطام، وأخيرا هذا النجم الشاهد وذلك الحيوان الصحراوي المخيف الذي يخيل الينا أحيانا انه هو الذي يروي الحكاية. وانها ليست سوى نباح الكلب او عواء الذئب او زعاق النسر، فالمكان الصحراوي المخيف ليس للبشر وحدهم ولا لكلامهم وحده، انه للبشر والنجوم والشهب والجراء والحيوانات القاسية، لكنها في حميا الغضب السحيق هنا تواصل ولاداتها العقيمة التي هي ايضا تناسل البؤس والعنف والجفاف.
عباس بيضون
جريدة السفير