من كتاب أرق الصحراء الصادر عن دار الانتشار 2005

أشاهد مباراة لكرة القدم، بين من يصفه نقاد الرياضة بفريق الأحلام، وهذه التسمية هي التي شدتني للانحياز إليه (الحلم والخيال وإلا فالهلاك الحتمي) أكثر من شهرة نجومه وسطوتهم في عالم الكرة- وبين فريق برشلونة، غريمه التقليدي.

من الصفر تقريباً، استطعتُ أن أكوّن بعض ثقافة في عالم هذه اللعبة الممتعة، التي يُفرغ البشر فيها حمولة عنفهم في ساحة المعركة، من غير دماء وجثث إلا ما ندر. وهذا النادر يأتي كعلامة تذكير، بأن المزاج البشريّ المتجذر في جماليّة العدوان والشرّ، مادة الأدب الأثيرة، لابد أن يرتدّ الى طبيعته الحقيقية.

صارت لديَّ بعض ثقافة في هذا الاتجاه من كثرة ما أشاهد من مباريات في الفترة الأخيرة؛ أتذكر حين ذهبتُ ذات مرة لجلب الكرة التي ذهبتْ بعيداً خارج الملعب ولم أعد حتى هذه اللحظة التي أشاهد فيها مباراة الفريقين الاسبانييّن.

تركتُ الكرة واللاعبين ينتظرون خمسة وعشرين عاماً على الأقل، وهم ينتظرون. أو هكذا أتخيّلهم مسمّرين في ملعب نادي الجزيرة، كالتماثيل الشمعيّة. الأيادي ممتدة والكرة متجمدة في الهواء الراكد للمدينة الكبيرة.

روحهم الرياضيّة بهذا المعنى تشبه روح خوفو والهرم، صلبةً ومتماسكة أمام الأزمنة.