من أماكنه القديمة ، بأسمائها ومعالمها ، حيث ولد وجاء في نشيجه سلالات أسلافه ، يمد سيف الرحبي ، الشاعر العماني يد الشعر الى اخر العالم . والصورة المجسدة والهائلة التي يمنحهاى العنوان ، لليد البشرية التي تنتشر الى نهايات الوجود ، تذكر بسريالية سلفادور دالي المضخمة عينها ، حيث في احدى لوحاته ،حصان ينطلق من نافذة مفتوحة فى أعلى برج، واتجاهه في الفضاء. وهي سريالية ذات نكهه ملحمية ، يديرها سيف الرحبي في قصائد الديوان ، إنها جوهر صنيعه على ما أرى .والصورة الشجية والقاسية الكاسرة أيضا ، المنقضة في النص ، والتي ينتقل بها من مكان لآخر ، أشبه ما تكون بالضربات والخطوط القاسية لهذا الفنان.. الباشق ، مثلا الذي يرسمه الرحبي ، في مقطع من قصيدته الاولى ، هو هنا منقض على السلاحف والاسماك في القيعان البحرية الملتمة ، وفي الكهوف والخلجان ، وهو أيضا في جانب منه ، يحتوي الفريسة ، ويلتهم بها الفضاء كعريس ((وعلى خطمة دم المسافة)) والباشق ، سيد الجوارح ، الشريد المفرد ، تراه في النص ، يسافر بين جزائر زرقاء ونيران غجر مندلعة في أفق (هو كما يقول مسودة أفق) خرافي وعصبي بصواعقه وأمطاره المحتقنة.. فالمشهدية الملحمية للأمكنة وعناصر الطبيعة تحقن النص بروح هائجة ، وهي تتجه معه كيفما اتجه ، مع العواصف القادمة من بحار الهند باتجاه بحر عمان المتاخم لقلاع الفرس وأناشيد الرعاة المنحدرين الى وقب الافلاج…)
مثل هذا الوصف الملحمي نجده في أماكن اخرى ، على غرار ما نسميه نشيد الباشق. فالشاعر المسيج بالوحشة والغربة ، نراه يفتتح كلامه بما يشبه مديح الهاوية ، الهاوية السعيدة ، حيث يتم التحديق فيها لاكتشاف ماض سحيق مثل ليال متجولة على وجه الظلمة ((حيث تقشعر أفئدة القساة في ليل بربري المزاج ، وعلى زوايا الهاوية يتعلق اناس قلقون متأهبون دائما لركل الاودية بحوافز افراسهم ، او ليذوبوا في غبش المغيب .

محمد علي شمس الدين
أخبار الأدب