ليندا نصار

كيف يمكن لليأس أن يكون مضيئًا ما دام الحزن المتراكم مقيمًا فينا مثيرًا عتمته في مسارات حياتنا، وسط زحمة هذا العالم المسرع نحو المستقبل المجهول؟ وماذا عن تلك الأيام التي تغيب ثم تعود لتحل بثقلها الجميل على الذاكرة العصية على النسيان؟ ومن يرمّم ثقوبها سوى شاعر يروّض لغته ويقلع عبر العملية الكتابية إلى عالم نورانيّ مختلف؟

في العدد 114 الجديد من مجلة نزوى نيسان 2023، يستعيد سيف الرحبي في كلمة الافتتاح، الأيام بصباحاتها وجماليتها؛ لعله يضعنا في مقابلة مع ذاكرة الماضي التي تنقذ ما تبقّى فينا من فرح ضئيل وسط رتابة هذا العالم.

هذا الشاعر الذي يعيش وسط عالم من الاحتمال في مساءلة للوجود نفسه، يفتح آفاق الكتابة على احتمالات الحياة… كلمة “لو” التي تكررت تنبع عن حرقة وحنين إلى من كان يضيء المكان، لتبقى الكتابة الإبداعية النفس الوحيد بل لتكون نوعًا من الهروب المؤقت قبل العودة إلى عالم غلبته الوحشية واستبدّت به عتمة الحزن وغابت عنه الأحلام.

كلمة سيف الرحبي لذّة النصّ، تحاكي القارئ وتدعوه إلى إنتاج نصّ جريء يعبّر عن النزعة السادية، وينتقد قادة هذا العالم المفترس. 

لطالما حدّثنا الشاعر عن الطبيعة ملجأ الأدباء والمبدعين المرهفين، فهؤلاء هم السباقون إلى التقاط الذبذبات السلبية والإيجابية في آن، فإمّا أن تنقص طاقاتهم وإما أن تزيد في عملية من التأثير والتأثر. 

في ظلّ هذا المشهد القاتم ووسط كلّ تلك الاحتمالات التي تدعو إلى التفكير في الإرث الحضاري والتاريخ ومستقبل المجتمع والجيل الجديد، يترك سيف الرحبي مسافة تشتغل فيها الحواس المعطلة على إيقاعات الوجود، بدءًا من حركة الطائر، إلى صوت المسجد، إلى جمال الشمس بل إلى الحياة بوجوهها الجميلة.

وأمام كل ما يحدث تبدو المفارقة بين التمتع بما تبقى من ذرات جمال، وبين الشعور بالاشمئزاز من الأحداث الدامية والحروب الأهلية التي سرقت الأعمار وفرضت هيمنة سلطات تحكمت بالشعوب الضعيفة، حيث سيطرت الغرائز السوداء وأنتجت الصراعات اللامتناهية، وكأنّ الإنسان دخل دوامة من الأحقاد جعلت البشرية في سباق مستمر مع التقدّم التكنولوجي وصراع الهيمنة.

يتأسف الشاعر على هذه البشرية التي حكمتها التغييرات المضنية حيث غابت البساطة، ويعود بنا إلى الإبداع بوصفه طاقة ينأى بها عن عالم التوحّش. هكذا يفسّر سيف الرحبي “اليأس المضيء”، ويضعنا أمام حالة من الإنقاذ والخلاص عبر الإبداع، ليبقى هذا الأخير تعزية ودواء لحنين غياب الأصدقاء الذين ابتلعهم المرض أو الوباء والموت الكاسر… إنه النور اللامتناهي الذي يغلب عتمة النهايات.